{ 26-27 } { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ }
أي : لم يزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يدعو قومه ، وهم مستمرون على عنادهم ، إلا أنه آمن له بدعوته لوط ، الذي نبأه اللّه ، وأرسله إلى قومه كما سيأتي ذكره .
{ وَقَالَ } إبراهيم حين رأى أن دعوة قومه لا تفيدهم شيئا : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } أي : هاجر أرض السوء ، ومهاجر إلى الأرض المباركة ، وهي الشام ، { إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ } أي : الذي له القوة ، وهو يقدر على هدايتكم ، ولكنه حَكِيمٌ ما اقتضت حكمته ذلك ، ولما اعتزلهم وفارقهم ، وهم بحالهم ، لم يذكر اللّه عنهم أنه أهلكهم بعذاب ، بل ذكر اعتزاله إياهم ، وهجرته من بين أظهرهم .
فأما ما يذكر في الإسرائيليات ، أن اللّه تعالى فتح على قومه باب البعوض ، فشرب دماءهم ، وأكل لحومهم ، وأتلفهم عن آخرهم ، فهذا يتوقف الجزم به على الدليل الشرعي ، ولم يوجد ، فلو كان اللّه استأصلهم بالعذاب لذكره كما ذكر إهلاك الأمم المكذبة ، ولكن لعل من أسرار ذلك ، أن الخليل عليه السلام من أرحم الخلق وأفضلهم [ وأحلمهم ] وأجلهم ، فلم يدع على قومه كما دعا غيره ، ولم يكن اللّه ليجري بسببه عذابا عاما .
ومما يدل على ذلك ، أنه راجع الملائكة في إهلاك قوم لوط ، وجادلهم ، ودافع عنهم ، وهم ليسوا قومه ، واللّه أعلم بالحال .
قوله تعالى : { فآمن له لوط } يعني : صدقه ، وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه ، { وقال } يعني إبراهيم ، { إني مهاجر إلى ربي } فهاجر من كوثى ، وهو من سواد الكوفة ، إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه لوط وامرأته سارة ، وهو أول من هاجر ، قال مقاتل : هاجر إبراهيم عليه السلام وهو ابن خمس وسبعين سنة . { إنه هو العزيز الحكيم* }
ولما كان في سياق الابتلاء ، وذكر من الأنبياء من طال ابتلاؤه ، بين أنه لم يكن لهم من أممهم تابع يقدر على نصرهم ، وأن الله سبحانه تولى كفايتهم فلم يقدر واحد على إهلاكهم ، وأهلك أعداءهم ، فلم يكن لهم من ناصرين فقال : { فآمن له } أي لأجل دعائه له مع ما رأى من الآيات { لوط } أي ابن أخيه هاران وحده ، وهو أول من صدقه من الرجال { وقال } أي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام مؤكداً لما هو جدير بالإنكار من الهجرة لصعوبتها : { إني مهاجر } أي خارج من أرضي وعشيرتي على وجه الهجر لهم فمنتقل ومنحاز { إلى ربي } أي إلى أرض ليس بها أنيس ولا عشير ، ولا من ترجى نصرته ، ولا من تنفع مودته ، فحينئذ يتبين الرضى بالله وحده ، والاعتماد عليه دون ما سواه ، فهاجر من كوثى من سواد الكوفة إلى حران ثم منها إلى الأرض المقدسة فكانت له هجرتان ، وهو أول من هاجر في الله . قال مقاتل : وكان ذاك ابن خمس وسبعين سنة .
ثم علل ذلك بما يسليه عن فراق أرضه وأهل وده من ذوي رحمه وأنسابه وأولي قربه ، فقال مؤكداً تسكيناً لمن عساه يتبعه وتهويناً عليه لفراق ما ألفت النفوس من أنه لا عز إلا به من العشائر والأموال والمعارف : { إنه هو } أي وحده { العزيز } أي فهو جدير بإعزاز من انقطع إليه { الحكيم* } فهو إذا أعز أحداً منعته حكمته من التعرض له بإذلال ، بفعل أو مقال ، كما صنع بي حين أراد إذلالي من كان جديراً بإعزازي من عشيرتي وأهل قربى ، وبالغ في أذاي ممن كان حقيقاً بنفعي من ذوي رحمي وحبي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.