وكما أنه ليس له مشارك إذ أنشأكم وأنشأ غيركم ، فلا تجعلوا له أندادا في عبادته بل أخلصوا له الدين ، { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ } عددا مجردا عن الشكر { لَا تُحْصُوهَا } فضلا عن كونكم تشكرونها ، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات ، من جميع أصناف النعم مما يعرف العباد ، ومما لا يعرفون وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى ، { إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير .
{ وإن تعدّو نعمة الله لا تحصوها } لا تضبطوا عددها فضلا أن يطيقوا القيام بشكرها ، أتبع ذلك تعداد النعم وإلزام الحجة على تفرده باستحقاق العبادة تنبيها على أن وراء ما عدَّدَ نعما لا تنحصر ، وأن حق عبادته تعالى غير مقدور . { إن الله لغفور } حيث يتجاوز عن تقصير في أداء شكرها . { رحيم } لا يقطعها لتفريطكم فيه ولا يعاجلكم بالعقوبة على كفرانها .
وقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } أي إن حاولتم إحصاءها وحصرها عدداً حتى لا يشذ شيء منها لم تقدروا على ذلك ، ولا اتفق لكم إحصاؤها إذ هي في كل دقيقة من أحوالكم ، . و «النعمة » هنا مفردة يراد بها الجمع ، وبحسب العجز عن عد نعم الله يلزم أن يكون الشاكر لها مقصراً عن بعضها ، فلذلك قال عز وجل { إن الله لغفور رحيم } أي تقصيركم في الشكر عن جميعها ، نحا هذا المنحى الطبري ، ويرد عليه أن نعمة الله تعالى في قول العبد : الحمد لله رب العالمين مع شروطها من النية والطاعة يوازي جميع النعم ، ولكن أين قولها بشروطها ؟ والمخاطبة بقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } عامة لجميع الناس .
جملة { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } عطف على جملة { أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } . وهي كالتكملة لها لأنها نتيجة لما تضمنّته تلك الأدلّة من الامتنان كما تقدم . وهي بمنزلة التذييل للامتنان لأن فيها عموماً يشمل النعم المذكورة وغيرها .
وهذا كلام جامع للتنبيه على وفرة نعم الله تعالى على الناس بحيث لا يستطيع عدّها العادّون ، وإذا كانت كذلك فقد حصل التّنبيه إلى كثرتها بمعرفة أصولها وما يحويها من العوالم .
وفي هذا إيماء إلى الاستكثار من الشكر على مجمل النعم ، وتعريض بفظاعة كفر من كفروا بهذا المنعم ، وتغليظ التهديد لهم . وتقدم نظيرها في سورة إبراهيم .
وجملة { إن الله لغفور رحيم } استئناف عُقب به تغليظ الكفر والتّهديد عليه تنبيهاً على تمكّنهم من تدارك أمرهم بأن يقلعوا عن الشرك ، ويتأهبوا للشكر بما يطيقون ، على عادة القرآن من تعقيب الزواجر بالرغائب كيلا يقنط المسرفون .
وقد خولف بين ختام هذه الآية وختام آية سورة إبراهيم ، إذ وقع هنالك { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار } [ سورة إبراهيم : 34 ] لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديدٍ عقب قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا } [ سورة إبراهيم : 28 ] فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله .
وأما هذه الآية فقد جاءت خطاباً للفريقين كما كانت النّعم المعدودة عليهم منتفعاً بها كلاهما .
ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم لظلوم كفار } بوصفين هنا { لغفور رحيم } إشارة إلى أن تلك النّعم كانت سبباً لظلم الإنسان وكفره وهي سبب لغفران الله ورحمته . والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.