اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (18)

قوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ } لمَّا بيَّن أنَّ الاشتغال بعبادة غير الله باطلٌ ، بيَّن ههنا أنَّ العبد لا يمكنه الإتيانُ بعبادة الله ، وشكر نعمه على سبيل التَّمامِ ، والكمال ، بل العبد وإن أتعب نفسه في القيام بالطاعاتِ ، والعبادات ، وبالغ في شُكْرِ نعم الله ؛ فإنه يكون مقصِّراً ؛ لأنَّ الاشتغال بشكر النِّعم مشترطٌ بعلمه بتلك النعم على سبيل التفصيل ، فإنَّ من لا يكون متصوراً ، ولا مفهوماً يمتنع الاشتغال بشكره ، والعلم بنعمة الله على سبيل التفصيل غير حاصل للعبد ؛ لأنَّ نعم الله كثيرة ، وأقسامها عظيمة ، وعقول الخلق قاصرة عن الإحاطة بمبادئها فضلاً عن غايتها ، لكنَّ الطريق إلى ذلك أن يشكر الله على جميع نعمه مفصَّلها ، ومجملها .

ثم قال - جلَّ ذكره- : { إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، " لَغَفُورٌ " لتقصيركم في شكر نعمه ، " رَحِيمٌ " بكم حيث لم يقطع نعمه عنكم لتقصيركم . قال بعضهم : إنَّه ليس لله على [ الكافر ]{[19762]} نعمةٌ . وقال الأكثرون : لله على الكافر والمؤمن نعمٌ كثيرةٌ ؛ لأنَّ الإنعامَ بخلق السمواتِ ، والأرض ، وخلق الإنسان من نطفةٍ ، والإنعام بخلق الخيلِ ، والبغال والحمير ، وجميع المخلوقات المذكورة للإنعام يشترك فيها المؤمن ، والكافر .


[19762]:في أ: كافر.