إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ} (18)

{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله } تذكيرٌ إجمالي لنعمه تعالى بعد تعدادِ طائفة منها ، وكان الظاهرُ إيرادَه عقيبَها تكملةً لها على طريقة قوله تعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ولعل فصلَ ما بينهما بقوله تعالى : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } للمبادرة إلى إلزام الحجةِ وإلقامِ الحجر إثرَ تفصيلِ ما فُصل من الأفاعيل التي هي أدلةُ الوحدانية مع ما فيه من سر ستقف عليه إن شاء الله ، ودَلالتُها عليها وإن لم تكن مقصورةً على حيثية الخلق ضرورةَ ظهور دلالتِها عليها من حيثية الإنعام أيضاً لكنها حيث كانت مستتبعاتِ الحيثيةِ الأولى ، استُغنيَ عن التصريح بها ثم بُين حالها بطريق الإجمال أي إن تعدوا نعمته الفائضةَ عليكم مما ذكر وما لم يذكر حسبما يُعرب عنه قوله تعالى : { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعاً } { لاَ تُحْصُوهَا } أي لا تطيقوا حصرَها وضبطَ عددِها ولو إجمالاً ، فضلاً عن القيام بشكرها وقد خرجنا عن عُهدة تحقيقه في سورة إبراهيمَ بفضل الله سبحانه { إِنَّ الله لَغَفُورٌ } حيث يستُر ما فرَط منكم من كفرانها والإخلالِ بالقيام بحقوقها ، ولا يعاجلُكم بالعقوبة على ذلك { رَّحِيمٌ } حيث يُفيضها عليكم مع استحقاقكم للقطع والحِرمان بما تأتون وتذرون من أصناف الكفرِ التي من جملتها عدمُ الفرق بين الخالقِ وغيرِه ، وكلٌّ من ذلك نعمةٌ وأيُّما نعمة ، فالجملة تعليلٌ للحكم بعدم الإحصاءِ وتقديمُ وصفِ المغفرة على نعت الرحمةِ لتقدم التخلية على التحلية .