تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

لما أثنى تعالى على داود ، وذكر ما جرى له ومنه ، أثنى على ابنه سليمان عليهما السلام فقال : { وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ } أي : أنعمنا به عليه ، وأقررنا به عينه .

{ نِعْمَ الْعَبْدُ } سليمان عليه السلام ، فإنه اتصف بما يوجب المدح ، وهو { إِنَّهُ أَوَّابٌ } أي : رجَّاع إلى اللّه في جميع أحواله ، بالتأله والإنابة ، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع ، والاجتهاد في مرضاة اللّه ، وتقديمها على كل شيء .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

يقول تعالى مخبرا أنه وهب لداود سليمان ، أي : نبيا كما قال : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ } أي : في النبوة وإلا فقد كان له بنون غيره ، فإنه قد كان عنده مائة امرأة حرائر .

وقوله : { نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } ثناء على سليمان ، عليه السلام ، بأنه كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عز وجل .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد حدثنا مكحول قال : لما وهب الله لداود سليمان عليه السلام قال له : يا بني ما أحسن ؟ قال : سكينة الله وإيمان . قال : فما أقبح ؟ قال : كفر بعد إيمان . قال : فما أحلى ؟ قال : روح الله بين عباده . قال : فما أبرد ؟ قال : عفو الله عن الناس وعفو الناس بعضهم عن بعض . قال داود عليه السلام : فأنت نبي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَوَهَبۡنَا لِدَاوُۥدَ سُلَيۡمَٰنَۚ نِعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٌ} (30)

جُعل التخلصُ إلى مناقب سليمان عليه السلام من جهة أنه من مِنن الله على داود عليه السلام ، فكانت قصة سليمان كالتكملة لقصة داود . ولم يكن لحال سليمان عليه السلام شَبه بحال محمد صلى الله عليه وسلم فلذلك جزمنا بأن لم يكن ذكر قصته هنا مِثالاً لحال محمد صلى الله عليه وسلم وبأنها إتمام لما أنعم الله به على داود إذ أعطاه سليمان ابناً بهجةً له في حياته وورث ملكه بعد مماته ، كما أنبأ عنه قوله تعالى : { ووهبنا لداوُود سُليمان } الآية .

ولهذه النكتة لم تفتتح قصة سليمان بعبارة : واذكر ، كما افتتحت قصة داود ثم قصة أيوب ، والقصص بعدها مفصَّلها ومجملها غير أنها لم تخل من مواضع إسوة وعبرة وتحذير على عادة القرآن من افتراض الإِرشاد .

ومن حسن المناسبة لذكر موهبة سليمان أنه ولد لداود من المرأة التي عوتب داود لأجل استنزال زوجها أوريا عنها كما تقدّم ، فكانت موهبة سليمان لداود منها مكرمة عظيمة هي أثر مغفرة الله لداود تلك المخالفة التي يقتضي قدره تجنبها وإن كانت مباحة وتحققه لتعقيب الأخبار عن المغفرة له بقوله : { وإنَّ له عندنا لزلفى وحُسن مئَابٍ } [ ص : 40 ] فقد رضي الله عنه فوهب له من تلك الزوجة نبيئاً ومَلِكاً عظيماً .

فجملة { ووهبنا لداود سُليمانَ } عطف على جملة { إنا سخرنا الجبال معه } [ ص : 18 ] وما بعدها من الجمل . وجملة { نِعْمَ العَبْدُ } في موضع الحال من { سُلَيْمانَ } وهي ثناء عليه ومدح له من جملة من استحقوا عنوان العبد لله ، وهو العنوان المقصود منه التقريب بالقرينة كما تقدم في قوله تعالى : { إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم } في سورة [ الصافات : 40 - 41 ] .

والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله : { سُلَيْمان } والتقدير : نعم العبد سليمان .

وجملة { إنَّه أوَّابٌ } تعليل للثناء عليه ب { نِعْمَ العَبْدُ . } والأوّاب : مبالغة في الآيب أي كثير الأوْب ، أي الرجوع إلى الله بقرينة أنه مادحه . والمراد من الأوب إلى الله : الأوب إلى أمره ونهيه ، أي إذا حصل له ما يبعده عن ذلك تذكر فآب ، أي فتاب ، وتقدم ذلك آنفاً في ذكر داود .