{ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي : لا شك فيه وهذا مما يعين على الصبر فإن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره [ ص 646 ] ويسر عليه كل عسير واستقل من عمله كل كثير .
{ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } أي : قد ضعف إيمانهم وقل يقينهم فخفت لذلك أحلامهم وقل صبرهم ، فإياك أن يستخفك هؤلاء فإنك إن لم تجعلهم{[658]} منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي ، والنفس تساعدهم على هذا وتطلب التشبه والموافقة{[659]} وهذا مما يدل على أن كل مؤمن موقن رزين العقل يسهل عليه الصبر ، وكل ضعيف اليقين ضعيف [ العقل ]{[660]} خفيفه .
{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } أي : اصبر على مخالفتهم وعنادهم ، فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصره إياك ، وجعله العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ، { وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } أي : بل اثبت على ما بعثك الله به ، فإنه الحق الذي لا مرية فيه ، ولا تعدل عنه وليس فيما سواه هُدَى يتبع ، بل الحق كله منحصر فيه .
قال سعيد عن قتادة : نادى رجل من الخوارج عليا ، رضي الله عنه ، وهو في الصلاة – صلاة الغداة - فقال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الزمر : 65 ] ، فأنصت له علي حتى فهم ما قال ، فأجابه وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } . رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم . وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال :
حدثنا ابن وَكِيع ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شَرِيك ، عن عثمان بن أبي زُرْعَة ، عن علي بن ربيعة قال : نادى رجل من الخوارج عليا وهو في صلاة الفجر ، فقال : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، فأجابه علي وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ }{[22912]} .
طريق أخرى : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن الجَعْد ، أخبرنا شريك ، عن عمران بن ظَبْيان ، عن أبي تحيا قال : صلى علي{[22913]} رضي الله عنه ، صلاة الفجر ، فناداه رجل من الخوارج : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ، فأجابه علي{[22914]} ، وهو في الصلاة : { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } .
[ ما روي في فضل هذه السورة الشريفة ، واستحباب قراءتها في الفجر ]{[1]} :
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، سمعت شبيب - أبا روح - يحدِّث عن رجل{[2]} من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح ، فقرأ فيها الرّوم فأوهم ، فقال : «إنه يلبس علينا القرآن ، فإن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء »{[3]} .
وهذا إسناد حسن ومتن حسن{[4]} وفيه سر عجيب ، ونبأ غريب ، وهو أنه ، عليه السلام{[5]} تأثر بنقصان وضوء من ائتم به ، فدل ذلك أن صلاة المأموم متعلقة{[6]} بصلاة الإمام .
[ آخر تفسير سورة " الروم " ]{[7]} . _
ثم أمر نبيه بالصبر وقوى نفسه لتحقيق الوعد ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم والتحرك واضطراب النفس لأقوالهم إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة ، وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب «يستحقنك » بحاء غير معجمة وقاف من الاستحقاق{[2]} ، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء من الاستخفاف ، إلا أن ابن أبي إسحاق ويعقوب{[3]} سكنا النون من «يستخفنك » ، وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان في صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين }{[4]} [ الزمر : 65 ] ، فعلم علي رضي الله عنه مقصده في هذا وتعريضه به فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية : { فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون }{[5]} .
الأمر للنبيء صلى الله عليه وسلم بالصبر تفرع على جملة { ولئن جِئْتَهم بآية } [ الروم : 58 ] لتضمنها تأييسه من إيمانهم . وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه ، أي اصبر على تعنتهم . وجملة { إن وعد الله حق } تعليل للأمر بالصبر وهو تأنيس للنبيء صلى الله عليه وسلم بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول عليه الصلاة والسلام .
والحق : مصدر حَقّ يحِقّ بمعنى ثبت ، فالحق : الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة .
والاستخفاف : مبالغة في جعله خفيفاً فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو : استجاب واستمسك ، وهو ضد الصبر . والمعنى : لا يحملُنّك على ترك الصبر . والخفة مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب . وهي مثل القلق المستعار من اضطراب الشيء لأن آثار الجزع والغضب تشبه تقلقل الشيء الخفيف ، فالشيء الخفيف يتقلقل بأدنى تحريك ، وفي ضده يستعار الرسوخ والتثاقل . وشاعت هذه الاستعارات حتى ساوت الحقيقة في الاستعمال .
ونهي الرسول عن أن يستخفه الذين لا يوقنون نهي عن الخفة التي من شأنها أن تحدث للعاقل إذا رأى عناد من هو يرشده إلى الصلاح ، وذلك مما يستفز غضب الحليم ، فالاستخفاف هنا هو أن يؤثروا في نفسه ضد الصبر ، ويأتي قوله تعالى { فاستَخَفّ قومَه فأطاعوه } في سورة الزخرف ( 54 ) ، فانظره إكمالاً لما هنا . وأسند الاستخفاف إليهم على طريقة المجاز العقلي لأنهم سببه بما يصدر من عنادهم .
والذين لا يوقنون : هم المشركون الذين أجريت عليهم الصفات المتقدمة من الإجرام ، والظلم ، والكفر ، وعدم العلم ؛ فهو إظهار في مقام الإضمار للتصريح بمساويهم . قيل : كان منهم النضر بن الحارث . ومعنى { لا يوقنون } أنهم لا يوقنون بالأمور اليقينية ، أي التي دلت عليها الدلائل القطعية فهم مكابرون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.