تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

{ 13-14 } { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }

هذا شروع في تفصيل قصتهم ، وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق ، الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه ، { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ } وهذا من جموع القلة ، يدل ذلك على أنهم دون العشرة ، { آمَنُوا } بالله وحده لا شريك له من دون قومهم ، فشكر الله لهم إيمانهم ، فزادهم هدى ، أي : بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان ، زادهم الله من الهدى ، الذي هو العلم النافع ، والعمل الصالح ، كما قال تعالى : { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

من هاهنا شرع في بسط القصة وشرحها ، فذكر تعالى أنهم فتية - وهم الشباب - وهم أقبل للحق ، وأهدى للسبيل من الشيوخ ، الذين قد عتوا وعَسَوا{[17999]} في دين الباطل ؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم شبابًا . وأما المشايخ من قريش ، فعامتهم بَقُوا على دينهم ، ولم يسلم منهم إلا القليل . وهكذا{[18000]} أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا .

قال مجاهد : بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني : الحَلَق فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم . فآمنوا بربهم ، أي : اعترفوا له بالوحدانية ، وشهدوا أنه لا إله إلا هو .

{ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } : استدل بهذه الآية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره{[18001]} ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله ، وأنه يزيد وينقص ؛ ولهذا قال تعالى : { وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } كَمَا قَالَ { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] ، {[18002]} وقال : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [ التوبة : 124 ] ، وقال { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } [ الفتح : 4 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذلك .

وقد ذكر{[18003]} أنهم كانوا على دين عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، والله أعلم - والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية ، فإنه{[18004]} لو كانوا على دين النصرانية ، لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم ، لمباينتهم لهم . وقد تقدم عن ابن عباس : أن قريشًا بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء ، وعن خبر ذي القرنين ، وعن الروح ، فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب ، وأنه متقدم على دين النصرانية ، والله أعلم .


[17999]:في أ: "وغشوا".
[18000]:في ف: "وكذا".
[18001]:في ت: "ونحوه".
[18002]:في أ: "زدناهم" وهو خطأ.
[18003]:في ت: "ذكروا".
[18004]:في ف: "فإنهم".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

{ نحن نقص عليك نبأهم بالحق } بالصدق . { إنهم فتية } شبان جمع فتى كصبي وصبية . { آمنوا بربهم وزدناهم هدى } بالتثبيت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

لما اقتضى قوله { لنعلم أي الحزبين أحصى } [ الكهف : 12 ] اختلافاً وقع في أمر الفتية ، عقب بالخير عن أنه عز وجل يعلم من أمرهم { بالحق } الذي وقع ، وفي مجموع هذه الآيات جواب قريش عن سؤالهم الذي أمرتهم به بنو إسرائيل . و «القص » الإخبار بأمر يسرد ، لا بكلام يروى شيئاً شيئاً ، لأن تلك المخاطبة ليست بقصص ، وقوله { وزدناهم هدى } أي يسرناهم للعمل الصالح والانقطاع إلى الله عز وجل ومباعدة الناس والزهد في الدنيا ، وهذه زيادات على الإيمان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

لما اقتضى قوله : { لنعلم أي الحزبين أحصى } [ الكهف : 12 ] أن في نبأ أهل الكهف تخرصات ورجماً بالغيب أثار ذلك في النفس تطلعا إلى معرفة الصدق في أمرهم ، من أصل وجود القصة إلى تفاصيلها من مخبر لا يُشك في صدق خبره كانت جملة نحن نقص عليك نبأهم بالحق استئنافاً بيانياً لجملة لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً [ الكهف : 12 ] .

وهذا شروع في مجمل القصة والاهتمام بمواضع العبرة منها . وقدم منها ما فيه وصف ثباتهم على الإيمان ومنابذتهم قومهم الكفرة ودخولهم الكهف .

وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة نحن نقص عليك } يفيد الاختصاص ، أي نحن لا غيرُنا يقص قصصهم بالحق .

والحق : هنا الصدق . والصدق من أنواع الحق ، ومنه قوله تعالى : { حقيق عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق } في سورة الأعراف ( 105 ) .

والباء للملابسة ، أي القصص المصاحب للصدق لا للتخرصات .

والقصص : سَرد خبر طويل فالإخبارُ بمخاطبة مفرقة ليس بقصص ، وتقدم في طالع سورة يوسف .

والنبأ : الخبر الذي فيه أهمية وله شأن .

وجملة { إنهم فتية } مبينة للقصص والنبأ . وافتتاح الجملة بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام لا لرد الإنكار .

وزيادة الهدى يجوز أن يكون تقوية هُدى الإيمان المعلوم من قوله : { آمنوا بربهم } بفتح بصايرهم للتفكير في وسائل النجاة بإيمانهم وألهمهم التوفيق والثبات ، فكل ذلك هدى زائد على هدى الإيمان .

ويجوز أن تكون تقوية فضل الإيمان بفضل التقوى كما في قوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } [ محمد : 17 ] .

والزيادة : وفرةُ مقدار شيء مخصوص ، مثل وفرة عدد المعدود ، ووزن الموزون ، ووفرة سكان المدينة .

وفعل ( زاد ) يكون قاصراً مثل قوله تعالى : { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } [ الصافات : 147 ] ، ويكون متعدياً كقوله : { فزادهم الله مرضاً } [ البقرة : 10 ] . وتستعار الزيادة لقوة الوصف كما هنا .