التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى} (13)

لما اقتضى قوله : { لنعلم أي الحزبين أحصى } [ الكهف : 12 ] أن في نبأ أهل الكهف تخرصات ورجماً بالغيب أثار ذلك في النفس تطلعا إلى معرفة الصدق في أمرهم ، من أصل وجود القصة إلى تفاصيلها من مخبر لا يُشك في صدق خبره كانت جملة نحن نقص عليك نبأهم بالحق استئنافاً بيانياً لجملة لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً [ الكهف : 12 ] .

وهذا شروع في مجمل القصة والاهتمام بمواضع العبرة منها . وقدم منها ما فيه وصف ثباتهم على الإيمان ومنابذتهم قومهم الكفرة ودخولهم الكهف .

وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة نحن نقص عليك } يفيد الاختصاص ، أي نحن لا غيرُنا يقص قصصهم بالحق .

والحق : هنا الصدق . والصدق من أنواع الحق ، ومنه قوله تعالى : { حقيق عليّ أن لا أقول على الله إلا الحق } في سورة الأعراف ( 105 ) .

والباء للملابسة ، أي القصص المصاحب للصدق لا للتخرصات .

والقصص : سَرد خبر طويل فالإخبارُ بمخاطبة مفرقة ليس بقصص ، وتقدم في طالع سورة يوسف .

والنبأ : الخبر الذي فيه أهمية وله شأن .

وجملة { إنهم فتية } مبينة للقصص والنبأ . وافتتاح الجملة بحرف التأكيد لمجرد الاهتمام لا لرد الإنكار .

وزيادة الهدى يجوز أن يكون تقوية هُدى الإيمان المعلوم من قوله : { آمنوا بربهم } بفتح بصايرهم للتفكير في وسائل النجاة بإيمانهم وألهمهم التوفيق والثبات ، فكل ذلك هدى زائد على هدى الإيمان .

ويجوز أن تكون تقوية فضل الإيمان بفضل التقوى كما في قوله تعالى : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } [ محمد : 17 ] .

والزيادة : وفرةُ مقدار شيء مخصوص ، مثل وفرة عدد المعدود ، ووزن الموزون ، ووفرة سكان المدينة .

وفعل ( زاد ) يكون قاصراً مثل قوله تعالى : { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } [ الصافات : 147 ] ، ويكون متعدياً كقوله : { فزادهم الله مرضاً } [ البقرة : 10 ] . وتستعار الزيادة لقوة الوصف كما هنا .