تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

{ 40-45 } { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ * وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، مسليا له عن امتناع المكذبين عن الاستجابة له ، وأنهم لا خير فيهم ، ولا فيهم زكاء يدعوهم إلى الهدى : { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ } أي : الذين لا يسمعون { أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ } الذين لا يبصرون ،

أو تهدي { مَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أي : بَيِّنٌ واضح ، لعلمه بضلاله ، ورضاه به .

فكما أن الأصم لا يسمع الأصوات ، والأعمى لا يبصر ، والضال ضلالا مبينا لا يهتدي ، فهؤلاء قد فسدت فطرهم وعقولهم ، بإعراضهم عن الذكر ، واستحدثوا عقائد فاسدة ، وصفات خبيثة ، تمنعهم وتحول بينهم وبين الهدى ، وتوجب لهم الازدياد من الردى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

وقوله : { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ } أي : ليس ذلك إليك ، إنما عليك البلاغ ، وليس عليك هداهم ، ولكن الله يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وهو الحكم العدل{[26049]} في ذلك .


[26049]:- (7) في ت، م، أ: "الحاكم العادل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصّمّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ * فَإِمّا نَذْهَبَنّ بِكَ فَإِنّا مِنْهُم مّنتَقِمُونَ * أَوْ نُرِيَنّكَ الّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَيْهِمْ مّقْتَدِرُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : أفأنْتَ تُسْمِعُ الصّمّ : من قد سلبه الله استماع حججه التي احتجّ بها في هذا الكتاب فأصمه عنه ، أو تهدي إلى طريق الهدى من أعمى الله قلبه عن إبصاره ، واستحوذ عليه الشيطان ، فزيّن له الرّدَى وَمَنْ كانَ في ضَلال مُبِينٍ يقول : أو تهدي من كان في جور عن قصد السبيل ، سالك غير سبيل الحقّ ، قد أبان ضلاله أنه عن الحقّ زائل ، وعن قصد السبيل جائر : يقول جلّ ثناؤه : ليس ذلك إليك ، إنما ذلك إلى الله الذي بيده صرف قلوب خلقه كيف شاء ، وإنما أنت منذر ، فبلغهم النذارة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

{ أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي } إنكار وتعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر واستغراقهم في الضلال بحيث صار عشاهم عمى مقرونا بالصمم . كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعب نفسه في دعاء قومه وهم لا يزيدون إلا غيا فنزلت . { ومن كان في ضلال مبين } عطف على { العمى } باعتبار تغاير الوصفين ، وفيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ظلال لا يخفى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

لما ذكر تعالى حال الكفرة في الآخرة وما يقال لهم وهم في العذاب ، اقتضى ذلك أن تشفق النفوس ، وأن ينظر كل سامع لنفسه ويسعى في خلاصها ، فلما كانت قريش مع هذا الذي سمعت لم تزل عن عتوها وإعراضها عن أمر الله ، رجعت المخاطبة إلى محمد عليه السلام على جهة التسلية له عنهم وشبههم ب { الصم } و { العمي } ، إذ كانت حواسهم لا تفيد شيئاً .

وقوله : { ومن كان في ضلال مبين } يريد بذلك قريشاً بأنفسهم ، ولذلك لم يقل : «من كان » بل جاء بالواو العاطفة ، كأنه يقول : وهؤلاء ، ويؤيد ذلك أيضاً عود الضمير عليهم في قوله : { فإنا منهم } ولم يجر لهم ذكر إلا في قوله : { ومن كان } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِي ٱلۡعُمۡيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (40)

تفريع على جملة { ومن يعشُ عن ذكر الرحمان نقيِّض له شيطاناً } [ الزخرف : 36 ] لأن ذلك أفاد توغّلهم في الضلالة وعُسْرَ انفكاكهم عنها ، لأن مقارنة الشياطين لهم تقتضي ذلك ، فانتقل منه إلى التهوين على النبي صلى الله عليه وسلم ما يلاقيه من الكدّ والتحرق عليهم في تصميمهم على الكفر والغيّ وفيه إيماء إلى تأييس من اهتداء أكثرهم .

والاستفهام لإنكار أن يكون حرص الرّسول صلى الله عليه وسلم على هداهم ناجعاً فيهم إذا كان الله قدّر ضلالهم فأوجد أسبابه ، قال تعالى : { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يُهْدَى مَن يُضِل } [ النحل : 37 ] ، ولما كان حال الرّسول صلى الله عليه وسلم في معاودة دعوتهم كحال من يظنّ أنه قادر على إيصال التذكير إلى قلوبهم نزّل منزلة من يظن ذلك فخوطب باستفهام الإنكار وسلط الاستفهام على كلام فيه طريق قصر بتقديم المسند إليه على الخبَر الفِعْلي مع إيلاء الضمير حرفَ الإنكار وهو قصر مؤكد وقصر قلب ، أي أنت لا تسمعهم ولا تهديهم بل الله يُسمعهم ويهديهم إن شاء ، وهو نظير { أفأنت تُكره النّاس حتى يكونوا مؤمنين } [ يونس : 99 ] .

ومن بديع معنى الآية أن الله وصف حال إعراضهم عن الذكر بالعشا ، وهو النظر الذي لا يتبين شبح الشيء المنظور إليه ثم وصفهم هنا بالصُمّ العُمي إشارة إن التمحل للضلال ومحاولة تأييده ينقلب بصاحبه إلى أشد الضلال لا أن التخلُق يأتي دونه الخلق والأحوال تنقلب ملكات . وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم « لا يزال العبد يكذب حتى يُكتَب عند الله كذّاباً » أي حتى يحِق عليه أن الكذب ملكة له ، وإذ قد كان إعراضهم انصرافاً عن استماع القرآن وعن النظر في الآيات كان حالهم يشبه حال الصمّ العمي كما مُهدَ لذلك بقوله : { ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن } [ الزخرف : 36 ] كما ذكرناه هنالك ، فظهرت المناسبة بين وصفهم بالعشا وبين ما في هذا الانتقال لوصفهم بالصمّ العمْي .

وعطف ومن كان في ضلال مبين } فيه معنى التذييل لأنه أعم من كل من الصمّ والعُمْي باعتبار انفرادهما ، وباعتبار أن الصّمَمَ والعَمَى لما كانا مجازين قد يكون تعلقهما بالمسموع والمبصَر جزئياً في حالة خاصة فكان الوصف بالكون في الضلال المبين تنبيهاً على عموم الأحوال وهو مع ذلك ترشيح للاستعارة لأن اجتماع الصمم والعمَى أبين ضلالاً .