تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : استحجرت فلا تلين للحق . { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فظنوا أن ما هم عليه دين الحق ، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان ، ولعب بعقولهم الشيطان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

قال الله تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي : فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا{[10683]} { وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : ما رقت ولا خشعت { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : من الشرك والمعاصي .


[10683]:في أ: "لدينا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَوْلآ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرّعُواْ وَلََكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } . .

وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك ، وذلك أنه تعالى ذكره أخبر عن الأمم التي كذّبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضرّاء ليتضرعوا ، ثم قال : فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ، ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأسأء والضرّاء .

ومعنى الكلام : ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضرّاء لعلهم يتضرّعون فلم يتضرّعوا ، فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرّعوا . ومعنى : فَلَوْلاَ في هذا الموضع : فهلاّ ، والعرب إذ أوْلت «لولا » اسما مرفوعا جعلت ما بعدها خبرا وتلقتها بالأمر ، فقالت ، فلولا أخوك لزرتك ، ولولا أبوك لضربتك ، وإذا أوْلتها فعلاً ، أو لم تولها اسما ، جعلوها استفهاما ، فقالوا : لولا جئنا فنكرمك ، ولولا زرت أخاك فنزورك ، بمعنى هلاّ . كما قال تعالى : لَوْلا أخّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فأصّدّق وكذلك تفعل ب «لوما » مثل فعلها ب «لولا » .

فتأويل الكلام إذن : فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذّبة رسلها الذين لم يتضرّعوا عند أخذناهم بالبأساء والضرّاء ، تضرّعوا فاستكانوا لربهم وخضعوا لطاعته ، فيصرف ربهم عنهم بأسه وهو عذابه وقد بينا معنى البأس في غير هذا الموضوع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ يقول : ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم ، وأصروا على ذلك واستكبروا عن أمر ربهم ، استهانة بعقاب الله واستخفافا بعذابه وقساوة قلب منهم . وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ ما كَانُوا يَعْمَلُونَ يقول : وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

{ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } معناه نفي تضرعهم في ذلك الوقت مع قيام ما يدعوهم أي لم يتضرعوا . { ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } استدرك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وأنه : لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

و «لولا » تحضيض ، وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا ، وهذا على جهة المعاتبة لمذنب غائب وإظهار سوء فعله مع تحسر ما عليه ، والمعنى إذ جاءهم أوائل البأس وعلاماته وهو تردد البأساء والضراء ، و { قست } معناه صلبت وهي عبارة عن الكفر ونسب التزيين إلى الشيطان وقد قال تعالى في آية أخرى { كذلك زينا لكل أمة عملهم }{[4917]} لأن تسبب الشيطان ووسوسته تجلب حسن الفكر في قلوبهم ، وذلك المجلوب الله يخلقه ، فإن نسب إلى الله تعالى فبأنه خالقه ، وإلى الشيطان فبأنه مسببه .


[4917]:- من الآية (108) من سورة (الأنعام).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

يجوز أن تجعل ( لولا ) هنا للتّمنّي على طريقة المجاز المرسل ، ويكون التّمنّي كناية عن الإخبار بمحبّة الله الأمر المتمنّى فيكون من بناء المجاز على المجاز ، فتكون هذه المحبّة هي ما عبّر عنه بالفرح في الحديث « الله أفرح بتوبة عبده » الحديث . وتقديم الظرف المضاف مع جملته على عامله في قوله { إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا } للاهتمام بمضمون جملته ، وأنّه زمن يحقّ أن يكون باعثاً على الإسراع بالتضرّع ممّا حصل فيه من البأس .

والبأس تقدّم عند قوله تعالى : { وحين البأس } في سورة [ البقرة : 177 ] . والمراد به هنا الشدّة على العدوّ وغلبته . ومجيء البأس : مجيء أثره ، فإنّ ما أصابهم من البأساء والضرّاء أثر من آثار قوّة قدرة الله تعالى وغلبه عليهم . والمجيء مستعار للحدوث والحصول بعد أن لم يكن تشبيهاً لحدوث الشيء بوصول القادم من مكان آخر بتنقّل الخطوات .

ولمّا دلّ التوبيخ أو التمنّي على انتفاء وقوع الشيء عطف عليه ب ( لَكِنْ ) عطفاً على معنى الكلام ، لأنّ التضرّع ينشأ عن لين القلب فكان نفيه المفاد بحرف التوبيخ ناشئاً عن ضدّ اللين وهو القساوة ، فعطف ب{ لكن } .

والمعنى : ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأنّ قلوبهم لا تتأثّر فشبّهت بالشيء القاسي . والقسوة : الصلابة .

وقد وجد الشيطان من طباعهم عوناً على نفث مراده فيهم فحسّن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم . ومن هنا يظهر أنّ الضلال ينشأ عن استعداد الله في خلقة النفس .

والتزيين : جعل الشيء زَيْنا . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { زيّن للناس حبّ الشهوات } في سورة [ آل عمران : 14 ] .