محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

[ 43 ] { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( 43 ) } .

{ فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } أي : بالتوبة والتمسكن . ومعناه : نفي التضرع . كأنه قيل : فلم يتضرعوا . وجيء ب ( لولا ) ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم ، كما قال : { ولكن قست قلوبهم } فلم يكن فيها لين يوجب التضرع ، ولم ينزجروا وإنما ابتلوا به ، { وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } أي : من الشرك . فالاستدراك على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع ، وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم ، وإعجابهم بأعمالهم المزينة لهم .

لطيفة :

إن قلت : قد أسند تعالى هنا التزيين إلى الشيطان ، وأسنده إلى نفسه في قوله : { وكذلك زينا لكل أمة عملهم }{[3447]} فهل هو حقيقة فيهما ، أو في أحدهما ؟ قلت : وقع التزيين / في مواقع كثيرة : فتارة أسنده إلى الشيطان ، كالآية الأولى ، وتارة إلى نفسه كالثانية ، وتارة إلى البشر كقوله : { زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم }{[3448]} - في قراءة- وتارة مجهولا غير مذكور فاعله كقوله : { زين للمسرفين }{[3449]} ، لأن التزيين له معان يشهد بها الاستعمال واللغة : أحدها : إيجاد الشيء حسنا مزينا في نفس الأمر ، كقوله : { زينا السماء الدنيا }{[3450]} ، والثاني : جعله مزينا من غير إيجاد ، كتزيين الماشطة العروس ، والثالث : جعله محبوبا للنفس ، مشتهى للطبع ، وإن لم يكن في نفسه كذلك . فهذا إن كان بمعنى خلق الميل في النفس والطبع لا يسند إلا إلى الله ، لأنه الفاعل له حقيقة ، لإيجاده له ، ولغة ونحوا لا تصافه بخلقه . وإن كان بمجرد تزويره وترويجه بالقول وما يشبهه ، كالوسوسة والإغواء ، / فهذا لا يسند إليه تعالى حقيقة . وإنما يسند إلى البشر أو الشيطان . وإذا لم يذكر فاعله ، يقدر في كل مكان ما يليق به – كذا في ( العناية ) - .


[3447]:- [6/ الأنعام/ 108] ونصها:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون (108)}.
[3448]:- 6/ الأنعام/ 137] ونصها:{وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون(137)}.
[3449]:- [10/ يونس/ 12] ونصها: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون (12)}.
[3450]:- [37/ الصافات/ 6] ونصها: {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب(6)}. و[41/ فصلت/ 12] ونصها: {فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12)}.