تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (43)

الآية 43 وقوله تعالى : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } يذكر في هذا أنه قد أصابهم البلاء والشدة ، ولم يتضرعوا ، { ولكن قست قلوبهم } ويذكر في غيره من الآيات أنه إذا أصابهم البلاء والشدائد تضرعوا ، ورجعوا عما كانوا عليه ، وهو كقوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] وقوله تعالى : { فإذا ركبوا في الفلك } [ العنكبوت : 65 ] وغيرهما من الآيات .

لكن يحتمل هذا وجوها :

أن هذا كان من قوم ، والأول كان من قوم آخرين ؛ وذلك أن الكفرة كانوا على أحوال ومنازل :

منهم من كان على حال ، فإذا أصابه خير اطمأن به ، وإذا زال عنه ، وتحول ، تغير ، وهو كقوله تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف } الآية [ الحج : 11 ] .

ومنهم من يتضرع ، ويلين قلبه إذا أصابه الشدة والبلاء ، وعند السعة والنعمة [ يصير ]{[7089]} قاسي القلب معاندا ، وهو كقوله تعالى : { ادعوا الله مخلصين له الدين } إلى آخر الآية [ العنكبوت : 65 ] وكقوله تعالى : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } [ الإسراء : 67 ] .

ومنهم من كان فرحا عند الرحمة ، وعند البلاء والشدة كفورا حزينا كقوله تعالى : { ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور } [ هود : 9 ] .

ومنهم من كان لا يخضع ، ولا يتضرع في الأحوال كلها لا عند الشدة والبلاء ولا عند الرخاء والنعمة ، ويقولون . إن مثل هذا يصيب غيرنا ، وقد { مس آباءنا الضراء والسراء } [ الأعراف : 95 ] .

كانوا على أحوال مختلفة ومنازل متفرقة ؛ فيشبه أن يكون قوله تعالى : { فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم } في القوم الذين لم يتضرعوا عندما أصابتهم الشدائد والبلايا .

وجائز أن يكونوا تضرعوا عندما أصابتهم الشدائد والبلايا .

وجائز أن يكونوا تضرعوا عند حلول الشدائد ؛ فإذا انقطع ذلك ، وارتفع ، عادوا إلى ما كانوا من قبل كقوله تعالى : { فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون } [ العنكبوت : 65 ] .

ويشبه أن يكون قوله تعالى : { لعلهم يتضرعون } وقوله تعالى : { ادعوا الله مخلصين له الدين } [ العنكبوت : 65 ] في ما بينهم وبين ربهم ، وهذا في ما بينهم وبين الرسل لأن الرسل كانوا يدعوا إلى أن يقروا برسالتهم ، ويصدقوهم في ما يقولون لهم ، ويخبرون ، فتكبروا عليهم ، وأقروا لله ، وتضرعوا إليه ؛ تكبروا عليهم ، ولم يتكبروا على الله .

ويحتمل أن يكون قوله تعالى : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } في الأمم السالفة إخبارا منهم أنهم لم يتضرعوا .

ويحتمل قوله أيضا : { فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا } وجهين :

أحدهما : أنهم لم يتضرعوا إذ جاءهم بأس الله ، ولكن عاندوا ، وثبتوا على ما كانوا عليه .

والثاني : تضرعوا عند نزول بأسه ، لكن إذا ذهب ذلك ، وزال عادوا إلى ما كانوا عليه ، فيصير كأنه قال : فلولا لزموا التضرع إذ جاءهم بأسنا .

وقوله تعالى : { وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون } أي زين لهم صنيعهم الذي صنعوا ، ويقولون : إن هذا كان يصيب أهل الخير ، ويصيب آباءنا ، وهم كانوا أهل خير وصلاح ، أو زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الشرك والتكذيب ، ويقول لهم : إن الذي أنتم عليه حق .


[7089]:ساقطة من الأصل وم.