تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

قال تعالى : { انْظُرْ } متعجبا { كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ } التي هي أضل الأمثال وأبعدها عن الصواب { فَضَلُّوا } في ذلك أو فصارت سببا لضلالهم لأنهم بنوا عليها أمرهم والمبني على فاسد أفسد منه .

{ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا }{[474]}  أي : لا يهتدون أي اهتداء فنصيبهم الضلال المحض والظلم الصرف .


[474]:- سبق قلم الشيخ -رحمه الله- إلى آية أخرى فكتب: فلا يهتدون وعلى ذلك فسرها، فأبقيت التفسير كما هو، وصوبت الآية.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

أي : فلا يهتدون إلى الحق ، ولا يجدون إليه مخلصًا .

قال محمد بن إسحاق في السيرة : حدثني محمد بن مسلم{[17574]} بن شهاب الزهري ، أنه حُدث أن أبا سفيان بن حرب ، وأبا جهل بن هشام ، والأخنس بن شَرِيق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف ابن{[17575]} زهرة ، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي بالليل في بيته ، فأخذ كل واحد منهم مجلسًا يستمع فيه ، وكلُّ لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرّقوا . حتى إذا جمعتهم الطريق ، فتلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا حتى إذا جمعتهم{[17576]} الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة ، ثم انصرفوا . حتى إذا كانت الليلة الثالثة ، أخذ كل رجل{[17577]} منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا ، فجَمعهم{[17578]} الطريق فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود ، فتعاهدوا على ذلك ، ثم تفرقوا .

فلما أصبح الأخنس بن شَريق أخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته ، فقال : أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها ، وسمعتُ أشياء ما عرفتُ معناها ، ولا ما يراد بها . قال الأخنس : وأنا والذي حَلفت به . قال : ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل ، فدخل عليه بيته ، فقال : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ قال : ماذا سمعتُ ؟ ! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاثينا على الرُّكب ، وكنا كفَرَسي رِهان قالوا : منا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به{[17579]} أبدا ولا نصدقه . قال : فقام عنه الأخنس وتركه{[17580]} .


[17574]:في ت: "سلام".
[17575]:في أ: "بني".
[17576]:في ف، أ: "تفرقوا فجمعتهم".
[17577]:في ت: "كل واحد".
[17578]:في ت، ف، أ: "حتى إذا اجمعتهم".
[17579]:في ف: "بهذا".
[17580]:السيرة النبوية لابن هشام (1/315).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمْثَالَ فَضَلّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } .

يقول تعالى ذكره : انظر يا محمد بعين قلبك فاعتبر كيف مثّلوا لك الأمثال ، وشبهوا لك الأشباه ، بقولهم : هو مسحور ، وهو شاعر ، وهو مجنون فَضَلّوا يقول : فجاروا عن قصد السبيل بقيلهم ما قالوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً يقول : فلا يهتدون لطريق الحقّ لضلالهم عنه وبُعدهم منه ، وأن الله قد خذلهم عن إصابته ، فهم لا يقدرون على المَخْرَج مما هم فيه من كفرهم بتوفقّهم إلى الإيمان به ، كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً قال : مخرجا ، الوليد بن المغيرة وأصحابه أيضا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثالَ فَضَلّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً مخرجا الوليد بن المغيرة وأصحابه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

{ اُنظر كيف ضربوا لك الأمثال } مثلوك بالشاعر والساحر والكاهن والمجنون . { فضلّوا } عن الحق في جميع ذلك . { فلا يستطيعون سبيلا } إلى طعن موجه فيتهافتون ويخبطون كالمتحير في أمره لا يدري ما يصنع أو إلى الرشاد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱنظُرۡ كَيۡفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلۡأَمۡثَالَ فَضَلُّواْ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ سَبِيلٗا} (48)

ضرب المثل له هو قولهم مسحور ، ساحر ، مجنون ، متكهن ، لأنه لم يكن عندهم متيقناً بأحد هذه ، فإنما كانت منهم على جهة التشبيه ، ثم رأى الوليد بن المغيرة أن أقرب هذه الأمور على تخيل الطارئين عليهم هو أنه ساحر ، ثم حكم الله عليهم بالضلال ، وقوله { فلا يستطيعون سبيلاً } يحتمل معنيين : أحدهما لا يستطيعون سبيلاً إلى الهدى والنظر المؤدي إلى الإيمان ، فتجري الآية مجرى قوله { وجعلنا على قلوبهم أكنة }{[7589]} [ الأنعام : 25 ] ونحو هذا ، والآخر : لا يستطيعون سبيلاً إلى فساد أمرك وإطفاء نور الله فيك بضربهم الأمثال لك واتباعهم كل حيلة{[7590]} في جهتك ، وحكى الطبري أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة وأصحابه .


[7589]:في الآية (46) من هذه السورة، وهي قبل هذا بقليل.
[7590]:في بعض النسخ: "واتباعهم كل خليقة".