تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

159 وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ أي : جماعة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ أي : يهدون به الناس في تعليمهم إياهم وفتواهم لهم ، ويعدلون به بينهم في الحكم بينهم ، بقضاياهم ، كما قال تعالى : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ وفي هذا فضيلة لأمة موسى عليه الصلاة والسلام ، وأن اللّه تعالى جعل منهم هداة يهدون بأمره .

وكأن الإتيان بهذه الآية الكريمة فيه نوع احتراز مما تقدم ، فإنه تعالى ذكر فيما تقدم جملة من معايب بني إسرائيل ، المنافية للكمال المناقضة للهداية ، فربما توهم متوهم أن هذا يعم جميعهم ، فذكر تعالى أن منهم طائفة مستقيمة هادية مهدية .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

يقول تعالى مخبرًا عن بني إسرائيل أن منهم طائفة يتبعون الحق ويعدلون به ، كما قال تعالى : { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] ، وقال تعالى : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [ آل عمران : 199 ] ، وقال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ]{[12271]} } [ القصص : 52 - 54 ] ،

وقال تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ } الآية [ البقرة : 121 ] ، وقال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [ الإسراء : 107 - 109 ]

وقد ذكر ابن جرير في تفسيرها خبرًا عجيبًا ، فقال : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قوله : { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم ، وكفروا - وكانوا اثني عشر سبطا - تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا ، وسألوا الله ، عز وجل ، أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمين يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : { وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا } [ الإسراء : 104 ] و " وعد الآخرة " : عيسى ابن مريم{[12272]} - قال ابن جريج : قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفًا .

وقال ابن عيينة ، عن صدقة أبي الهذيل ، عن السُّدِّي : { وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال : قوم بينكم وبينهم نهر من شُهْد{[12273]}


[12271]:زيادة من م، وفي هـ: "الآية".
[12272]:تفسير الطبري (13/173).
[12273]:في أ: "سهل".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } . .

يقول تعالى ذكره : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى يعني بني إسرائيل ، أُمّةٌ يقول : جماعة ، يَهْدُونَ بالحَقّ يقول : يهتدون بالحقّ : أي يستقيمون عليه ويعملون ، وَبِهِ يَعْدِلونَ : أي وبالحقّ يعطون ويأخذون ، وينصفون من أنفسهم فلا يجورون . وقد قال في صفة هذه الأمة التي ذكرها الله في الاَية جماعة أقوالاً نحن ذاكرو ما حضَرَنا منها :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن صدقة أبي الهذيل ، عن السديّ : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يَهْدُونَ بالحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال : قوم بينكم وبينهم نهر من شهد .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمّةٌ يَهْدُونَ بالحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم كفروا ، وكانوا اثني عشر سبطا ، تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا ، وسألوا الله أن يفرّق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نَفَقا في الأرض ، فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمون ، يستقبلون قبلتنا . قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فإذَا جاءَ وَعْدُ الاَخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفا ووعد الاَخرة عيسى ابن مريم يخرجون معه . قال ابن جريج : قال ابن عباس : ساروا في السّرَب سنة ونصفا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

{ ومن قوم موسى } يعنى من بني إسرائيل . { أمة يهدون بالحق } يهدون الناس محقين أو بكلمة الحق . { وبه } بالحق . { يعدلون } بينهم في الحكم والمراد بها الثابتون على الإيمان القائمون بالحق من أهل زمانه ، اتبع ذكرهم ذكر أضدادهم على ما هو عادة القرآن تنبيها على أن تعارض الخير والشر وتزاحم أهل الحق والباطل أمر مستمر . وقيل مؤمنو أهل الكتاب . وقيل قوم وراء الصين رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فآمنوا به .