بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

قوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق } يعني : جماعة يدعون إلى الحق { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يعني : وبالحق يعملون . وقال بعضهم : يعني به مؤمني أهل الكتاب وهم عبد الله بن سلام وأصحابه وهذا كما قال في آية أخرى : { لَيْسُواْ سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيات الله آناءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } [ آل عمران : 113 ] الآية . وقال بعضهم : هم قوم من وراء الصين من أمة موسى ما وراء رمل عالج . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به إلى البيت المقدس ومعه جبريل فرفعه إليهم وكلّمهم وكلّموه . فقال لهم جبريل : هل تعرفون من تكلمون ؟ قالوا : لا . قال : فإن هذا محمد النبي الأمي . قال : يا جبريل وقد بعثه الله تعالى ؟ قال نعم فآمنوا به وصدّقوه . وقالوا : يا رسول الله إن موسى بن عمران أوصى إلينا أن من أدرك ذلك النبي منكم فليقرأ عليه السلام مني ومنكم ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم على موسى ورد عليهم السلام ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما لِي أَرَى بُيُوتَكُمْ مُسْتَوِيَةً » ؟ قالوا : لأنا قوم لا يبغي بعضنا على بعض . قال : « فما لي لا أرى عليها أبواباً » ؟ قالوا : إنّا لا يضر بعضنا بعضاً . قال : « فَمَا لِي لا أَرَاكُمْ تَضْحَكُونَ » ؟ قالوا : ما ضحكنا قط لأن الله تعالى أخبرنا في كتابه أن جهنم عرضها ما بين الخافقين وقعرها الأرض السفلى ، وقد أقسم الله تعالى ليملأنها من الجنة والناس أجمعين . قال : « فَهَلْ تَبْكُونَ عَلَى المَيِّتِ » ؟ قالوا : يا رسول الله كيف نبكي على الميت وكلنا ميتون . وهو سبيل لا بد منه . والله أعطانا والله أخذ منا . قال : « فَهَلْ تَمْرَضُونَ » ؟ قالوا : يا رسول الله إنما يمرض أهل الذنوب والخطايا . فأما نحن فمعصومون بدعاء نبي الله موسى عليه السلام قال : « فَكَيْفَ تَمُوتُونَ إِذَا لَمْ تَمْرَضُوا ؟ » قالوا : إذا استوفى أحدنا رزقه جاءه ملك الموت فقبض روحه فندفنه ، حيث يموت . قال : « فَهَلْ تَحْزَنُونَ إذَا وُلِدَ لأَحَدِكُمْ جَارِيَةٌ » ؟ قالوا : يا رسول الله لا ولكنا نصوم لله تعالى شهراً شكراً ، فإذا ولدط لأحدنا غلام نصوم لله شهرين شكراً لله تعالى . قال : « فَهَلْ فِيكُمْ حَيَّاتٌ وَعَقَارِبٌ » ؟ قالوا : نعم . قال : « كَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهِنَّ » ؟ قالوا : يا رسول الله نمشي عليهن ويمشين علينا ، ولا نؤذيهن ولا تؤذينا ، آمنات منا ونحن آمنون منهن . قال : « فَهَلْ لَكُمْ مَاشِيَةٌ » ؟ قالوا : نعم ، نجز أصوافها فنتخذ منه الأفنية والأكسية ، ونأكل من لحومهن الكفاف ، وكل أهل القرية فيها شرع أي سواء ليس أحد أحق به منا . قال : « فَهَلْ تَزِنُونَ أَوْ يُوزَنُ عَلَيْكُمْ » ؟ قالوا : لا نزن ولا يوزن علينا ولا نكيل ولا يكال علينا ولا نشتري ولا نبيع . قال : « فَمِنْ أيْنَ تَأْكُلُونَ » ؟ قالوا : يا رسول الله : نخرج فنزرع ، ويرسل الله تعالى السماء علينا فينبته ، ثم نخرج إليه فنحصده ، ونضعه في أماكن من القرية ، فيأخذ أهل القرية منها الكفاف ويدعون ما سواه . قال : « فَهَلْ تُجَامِعُونَ النِّسَاءَ » ؟ قالوا : نعم يا رسول الله لنا بيوت مظلمة وثياب معلومة فإذا أردنا المجامعة لبسنا ثيابنا تلك ودخلنا تلك البيوت ، لا يرى الرجل عورة امرأته ولا المرأة عورة زوجها . قال : « فَهَلْ فِيكُمُ زِنًى ؟ » قالوا : يا رسول الله لا فإن فعل ذلك أحد منا لظننا أن الله تعالى يبعث عليه ناراً فيحرقه أو يخسف به الأرض ، ولكن إذا كان للرجل منا ابنة طلبها منه رجل فيزوجه إياها إرادة الأجر والعفة . قال : « فَهَلْ تَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ » ؟ قالوا : لا . يا رسول الله . إنما يكنز الذهب والفضة من لا يثق بالله ، ومن يرى أن الله تعالى لم يتكفل له برزقه . فأما نحن فلا نكنز الذهب والفضة . فأقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سور من القرآن أنزلت بمكة ، ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالصلاة والزكاة ورجع من ليلته . وقال قتادة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال : « قَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا » { وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ } يعني : في هذه الأمة .