البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

{ ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون } لما أمر بالإيمان بالله ورسوله وأمر باتباعه ذكر أنّ { من قوم موسى } من وفق للهداية وعدل ولم يجر ولم تكن له هداية إلا باتباع شريعة موسى قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وباتباع شريعة رسول الله بعد مبعثه فهذا إخبار عن من كان من قوم موسى بهذه الأوصاف فكان المعنى أنهم كلهم لم يكونوا ضلالاً بل كان منهم مهتدون ، قال السائب : هو قوم من أهل الكتاب آمنوا بنبينا صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه وقال قوم : هم أمة من بني إسرائيل تمسكوا بشرع موسى قبل نسخه ولم يبدّلوا ولم يقتلوا الأنبياء ، وقال الزمخشري هم المؤمنون التائبون من بني إسرائيل لما ذكر الذين نزلوا منهم ذكر أمة مؤمنين تائبين يهدون الناس بكلمة الحق ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم وبالحق يعدلون بينهم في الحكم ولا يجورون أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به من أعقابهم انتهى ، وقال ابن عطية : يحتمل أن يريد به الجماعة التي آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم على جهة الاستجلاب لإيمان جميعهم ويحتمل أن يريد به وصف المؤمنين التائبين من بني إسرائيل ومن اهتدى واتقى وعدل انتهى ، وما روي عن ابن عباس والسدي وابن جريج أنهم قوم اغتربوا من بني إسرائيل ودخلوا سرباً مشوا فيه سنة ونصفاً تحت الأرض حتى خرجوا وراء الصين فهم هناك يقيمون الشرع في حكايات طويلة ذكرها الزمخشري وصاحب التحرير والتحبير يوقف عليها هناك لعله لا يصح وفي قوله : ومن قوم موسى إشارة إلى التقليل وأنّ معظمعم لا يهدي بالحق ولا يعدل به وهم إلى الآن ، كذلك دخل في الإسلام من النصارى عالم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى وأما اليهود فقليل من آمن منهم .