وأخبر تعالى { إن هذا } الذي قصه الله على عباده هو { القصص الحق } وكل قصص يقص عليهم مما يخالفه ويناقضه فهو باطل { وما من إله إلا الله } فهو المألوه المعبود حقا الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، ولا يستحق غيره مثقال ذرة من العبادة { وإن الله لهو العزيز } الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء { الحكيم } الذي يضع الأشياء مواضعها ، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل{[158]} .
{ إِنّ هََذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاّ اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * فَإِن تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : إن هذا الذي أنبأتك به يا محمد من أمر عيسى ، فقصصته عليك من أنبائه ، وأنه عبدي ورسولي ، وكلمتي ألقيتها إلى مريم ، وروح مني ، { لَهُوَ القَصَصُ } والنبأ { الحَقّ } فاعلم ذلك ، واعلم أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده وهو الله العزيز الحكيم .
ويعني بقوله { العَزِيزُ } : العزيز في انتقامه ممن عصاه ، وخالف أمره ، وادّعى معه إلها غيره ، أو عبد ربا سواه ، { الحَكِيمُ } في تدبيره ، لا يدخل ما دبره وهْن ولا يلحقه خلل .
{ فإنْ تَوَلّوْا } يعني فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك في عيسى عما جاءك من الحقّ من عند ربك في عيسى وغيره ، من سائر ما آتاك الله من الهدى والبيان ، فأعرضوا عنه ، ولم يقبلوه¹ { فإنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالمُفْسِدِينَ } ، يقول : فإن الله ذو علم بالذين يعصون ربهم ، ويعملون في أرضه وبلاده بما نهاهم عنه ، وذلك هو إفسادهم ، يقول تعالى ذكره : فهو عالم بهم وبأعمالهم ، يحصيها عليهم ويحفظها حتى يجازيهم عليها جزاءهم .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقّ } أي إن هذا الذي جئت به من الخبر عن عيسى ، لهو القصص الحقّ من أمره .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ } . إن هذا الذي قلنا في عيسى لهو القصص الحقّ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقّ } قال : إن هذا القصص الحقّ في عيسى ، ما ينبغي لعيسى أن يتعدّى هذا ، ولا يجاوز أن يتعدى أن يكون كلمة الله ألقاها إلى مريم وروحا منه وعبد الله ورسوله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقّ } : إن هذا الذي قلنا في عيسى هو الحقّ { وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاّ اللّهُ } . . . الاَية .
فلما فصل جل ثناؤه بين نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبين الوفد من نصارى نجران بالقضاء الفاصل والحكم العادل أمره إن هم تولوا عما دعاهم إليه من الإقرار بوحدانية الله ، وأنه لا ولد له ولا صاحبة ، وأن عيسى عبده ورسوله وأبوا إلا الجدل والخصومة أن يدعوهم إلى الملاعنة ، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم انخذلوا ، فامتنعوا من الملاعنة ودعوا إلى المصالحة ، كالذي .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عامر ، قال : فأمر يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم بملاعنتهم يعني بملاعنة أهل نجران بقوله : { فَمَنْ حاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ } . . . الآية . فتواعدوا أن يلاعنوه ، وواعدوه الغد ، فانطلقوا إلى السيد والعاقب ، وكانا أعقلهم فتابعاهم ، فانطلقوا إلى رجل منهم عاقل ، فذكروا له ما فارقوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما صنعتم ! وندّمهم ، وقال لهم : إن كان نبيا ثم دعا عليكم لا يغضبه الله فيكم أبدا ، ولئن كان ملكا فظهر عليكم لا يستبقيكم أبدا . قالوا : فكيف لنا وقد واعدنا ؟ فقال لهم : إذا غدوتم إليه فعرض عليكم الذي فارقتموه عليه ، فقولوا : نعوذ بالله ! فإن دعاكم أيضا ، فقولوا له : نعوذ بالله ! ولعله أن يعفيكم من ذلك . فلما غدوا ، غدا النبيّ صلى الله عليه وسلم محتضنا حَسَنا آخذا بيد الحسين وفاطمة تمشي خلفه ، فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس ، فقالوا : نعوذ الله ! ثم دعاهم ، فقالوا : نعوذ بالله ! مرارا . قال : «فإنْ أبَيْتُمْ فأسْلِمُوا ، وَلَكُمْ ما لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ ما على المُسْلِمينَ ، كما قال الله عزّ وجلّ¹ فإنْ أبَيْتُمْ فأعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وأنْتُمْ صَاغِرُونَ ، كما قال الله عَزّ وَجَلّ » ، قالوا : ما نملك إلا أنفسنا . قال : «فإنْ أبَيْتُمْ فَإنّي أنْبِذُ إلَيْكُمْ عَلى سَوَاءٍ ، كما قال الله عزّ وجلّ » ، قالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكن نؤدّي الجزية . قال : فجعل عليهم في كل سنة ألفي حلة ، ألفا في رجب وألفا في صفر . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «قَدْ أتانِي البَشِيرُ بِهَلَكَةِ أهْلِ نَجْرَانَ حتى الطّيْرُ على الشّجَرِ أوِ العَصَافِيرُ عَلى الشّجَرِ ، لو تَمّوا على المُلاَعَنَة » . حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، قال : فقلت للمغيرة : إن الناس يرون في حديث أهل نجران أن عليا كان معهم ! فقال : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في عليّ ، أو لم يكن في الحديث .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقّ } إلى قوله :
{ فَقُولُوا اشْهَدُوا بأنّا مُسْلِمُونَ } فدعاهم إلى النّصَف وقطع عنهم الحجة . فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من الله عنه ، والفصل من القضاء بينه وبينهم ، وأمره بما أمره به من ملاعنتهم ، إن ردّوا عليه¹ دعاهم إلى ذلك ، فقالوا : يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ، ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه . فانصرفوا عنه ، ثم خلوا بالعاقب ، وكان ذا رأيهم ، فقالوا : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال : والله يا معشر النصارى ، لقد عرفتم أن محمدا نبيّ مرسل ، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتم ، فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم ، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم ، فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمنٌ رأيه . فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ، ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا ، فإنكم عندنا رضا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن عليّ في قوله : { تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنا وأبْناءكُمْ } . . . الاَية . قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط عن السدي : { فَمَنْ حاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ } . . . الآية ، فأخذ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعليّ : «اتْبَعْنَا ! » فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى ، وقالوا : إنا نخاف أن يكون هذا هو النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وليس دعوة النبيّ كغيرها ، فتخلفوا عنه يومئذ . فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَوْ خَرَجُوا لاَحْتَرَقُوا » . فصالحوه على صلح على أن له عليهم ثمانين ألفا فما عجزت الدراهم ففي العروض الحلة بأربعين ، وعلى أن له عليهم ثلاثا وثلاثين درعا ، وثلاثا وثلاثين بعيرا ، وأربعة وثلاثين فرسا غازية كل سنة ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضامن لها حتى نؤديها إليهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم دعا وفدا من وفد نجران من النصارى ، وهم الذين حاجوه في عيسى ، فنكصوا عن ذلك وخافوا . وذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ ، إنْ كانَ العَذَابُ لَقَدْ تَدَلّى على أهْلِ نَجْرَانَ ، وَلَوْ فَعَلُوا لاسْتُؤْصِلُوا عَنْ جَدِيدِ الأرْضِ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { فَمَنْ حاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ } قال : بلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلاً عن أهل نجران ، فلما رأوه خرج ، هابوا وفرقوا ، فرجعوا . قال معمر ، قال قتادة : لما أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين وقال لفاطمة :
«اتْبَعِينَا » ، فلما رأى ذلك أعداءُ الله رجعوا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لو خرج الذين يباهلون النبيّ صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا زكريا ، عن عديّ قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَالّذِي نفْسِي بِيَدِهِ لَوْلا عَنُونِي ما حالَ الحَوْلُ وَبحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ أحَدٌ إلاّ أهْلَكَ اللّهُ الكاذِبِينَ » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو لاعنت القوم بمن كنت تأتي حين قلت { أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ } ؟ قال : «حَسَن وحُسَيْن » .
حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : حدثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الاَية : { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءكُمْ } الآية ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ، ودعا اليهود ليلاعنهم فقال شاب من اليهود : ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير ؟ لا تلاعنوا ! فانتهوا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{إن هذا} الذي ذكرته في عيسى {لهو القصص الحق}. والذي تقولون هو الباطل. {وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز} في ملكه. {الحكيم} في أمره...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن هذا الذي أنبأتك به يا محمد من أمر عيسى، فقصصته عليك من أنبائه، وأنه عبدي ورسولي، وكلمتي ألقيتها إلى مريم، وروح مني، {لَهُوَ القَصَصُ} والنبأ {الحَقّ} فاعلم ذلك، واعلم أنه ليس للخلق معبود يستوجب عليهم العبادة بملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده وهو الله العزيز الحكيم.
{العَزِيزُ}: العزيز في انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره، وادّعى معه إلها غيره، أو عبد ربا سواه. {الحَكِيمُ}: في تدبيره، لا يدخل ما دبره وهْن ولا يلحقه خلل.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{إن هذا لهو القصص الحق} يعني الخبر الحق...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إن قيل: لم قال:"إن هذا لهو القصص" مع قيام الحجة، وشهادة المعجزة له؟ قلنا: معناه البيان عن أن مخالفتهم له بعد وضوح أمره يجري مجرى العناد فيه، وكذلك قوله: "وما من إله إلا الله". والقصص: الخبر الذي تتابع فيه المعاني وأصله اتباع الأثر، وفلان يقص أثر فلان أي يتبعه.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
لا يتسلط على شواهد التوحيد غبار شبهة، ولا يدرك سر حكمه وهم مخلوق، ولا يدانيه معلوم يحصره الوجود، أو موهوم يصوره التقدير...
{وإن الله لهو العزيز الحكيم}: وفيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى، وذلك لأن اعتمادهم على أمرين؛ أحدهما: أنه قدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فكأنه تعالى قال: هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلهية، بل لا بد وأن يكون عزيزا غالبا لا يدفع ولا يمنع، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى ما كان كذلك، وكيف وأنتم تقولون إن اليهود قتلوه؟ والثاني: أنهم قالوا: إنه كان يخبر عن الغيوب وغيرها، فيكون إلها، فكأنه تعالى قال: هذا القدر من العلم لا يكفي في الإلهية، بل لا بد وأن يكون حكيما، أي عالما بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور، فذكر {العزيز الحكيم} ههنا إشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أول السورة من قوله {هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم} [آل عمران: 6]...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{وإن الله لهو العزيز} الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء {الحكيم} الذي يضع الأشياء مواضعها، وله الحكمة التامة في ابتلاء المؤمنين بالكافرين، يقاتلونهم ويجادلونهم ويجاهدونهم بالقول والفعل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والقَصُّ أخص من الإخبار؛ فإنّ القص إخبار بخبرٍ فيه طولٌ وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يُخبر بها قِصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقُصها القُصّاص،... والمقصود إبطال إلهية المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من النصارى، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذِلّة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه، وهو أيضاً إبطال لإلهيته على اعتقادنا؛ لأنه كان محتَاجَاً لإنقاذه من أيدي الظالمين...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أكد سبحانه وتعالى صدق ما أخبر به عن عيسى عليه السلام فقال تعالى: {إن هذا لهو القصص الحق} أي إن هذا الذي أخبرت هو القصص الثابت الذي لا مجال فيه لإنكار منكر،ولا لتشكيك متشكك، وقد أكد سبحانه صدق القصص في تلك الجملة السامية بأربعة مؤكدات هي: إن، فهي للتوكيد، واللام في قوله تعالى: {لهو القصص الحق} وضمير الفصل، والقصر الذي تضمنه تعريف الطرفين؛ إذ المعنى فيه ان ما أخبرت به في شان عيسى عليه السلام هو وحده الخبر الحق،ولا حق في سواه،بل ما عندهم ترهات وأباطيل.
وإن هذا الخبر يتضمن في ذاته ان المسيح عيسى عليه السلام ليس إلها ولا ابن إله،وانه عبد الله ورسوله الأمين،وانه من أولى العزم من الرسل،وان الألوهية الحق هي لله تعالى وحده؛ ولذا صرح بهذا عقب تأكيده القصص الحق، فقال تعالى: {وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم}: هذا نفي بات قاطع للألوهية من غير الله تعالى، وإثبات الألوهية لله وحده، وقد أكد النفي بكلمة "من "فهي تفيد استغراق النفي استغراقا مستمرا ثابتا مؤكدا، وفي النفي والإثبات تأكيدا لمعنى المستثنى ابلغ تأكيد، وغن هذا النفي فيه رد بالغ على النصارى الذين ادعوا ألوهية للمسيح عليه السلام.
{وإن الله لهو العزيز الحكيم}: معناه ان الله سبحانه وتعالى المنفرد بالألوهية وحده هو العزيز الغالب الذي لا يقهر،الحكيم الذي يدبر كل شيء بكمال سلطانه وسيطرته على هذا الوجود الذي لا ينازعه السلطان فيه غيره كائنا من كان.وغن الجملة السامية فيها تأكيد لمعنى العزة والسلطان الكامل بالتعبير بإن،وباللام،وبضمير الفصل،وبتعريف الطرفين.
وفي هذا الكلام رد على أولئك الذين يزعمون ان المسيح إله،ويعتقدون مع ذلك انه غلب على امره وصلب ولم يستطع لنفسه حولا ولا طولا،ولا حيلة يخرج بها من ذلك المأزق،ولكن هكذا يعتقدون،وبه يؤمنون.