تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا} (9)

ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى ، ويقولون بلسان الحال : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا } أي : لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِنَّمَا نُطۡعِمُكُمۡ لِوَجۡهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمۡ جَزَآءٗ وَلَا شُكُورًا} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنما نطعمكم لوجه الله} يعني لمرضاة الله تعالى.

{لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} يعني أن تثنوا به علينا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"إنمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ "يقول تعالى ذكره: يقولون: إنما نطعمكم إذا هم أطعموهم لوجه الله، يعنون طلب رضا الله، والقُربة إليه.

"لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورَا": يقولون للذين يطعمونهم ذلك الطعام: لا نريد منكم أيها الناس على إطعامناكم ثوابا ولا شكورا.

عن مجاهد "إنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورا" قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله من قلوبهم، فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ} على إرادة القول. ويجوز أن يكون قولا باللسان منعاً لهم عن المجازاة بمثله أو بالشكر؛ لأن إحسانهم مفعول لوجه الله؛ فلا معنى لمكافأة الخلق. وأن يكون قولهم لهم لطفاً وتفقيها وتنبيهاً، على ما ينبغي أن يكون عليه من أخلص لله، وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت، ثم تسأل الرسول ما قالوا؟ فإذا ذكر دعاء، دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله. ويجوز أن يكون ذلك بياناً وكشفاً عن اعتقادهم وصحة نيتهم وإن لم يقولوا شيئاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا. إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا).. فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة، تتجه إلى الله تطلب رضاه. ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكرا، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء. كما تتقي بها يوما عبوسا شديد العبوس، تتوقعه وتخشاه، وتتقيه بهذا الوقاء. وقد دلهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عليه وهو يقول: "اتق النار ولو بشق تمرة".. وقد كان إطعام الطعام هكذا مباشرة هو وسيلة التعبير عن هذه العاطفة النبيلة الكريمة، ووسيلة الإشباع لحاجات المحاويج. ولكن صور الإحسان ووسائله قد تتغير بحسب البيئات والظروف، فلا تظل في هذه الصورة البدائية المباشرة. إلا أن الذي يجب الاحتفاظ به هو حساسية القلوب، وحيوية العاطفة، والرغبة في الخير ابتغاء وجه الله، والتجرد عن البواعث الأرضية من جزاء أو شكر أو نفع من منافع الحياة! ولقد تنظم الضرائب، وتفرض التكاليف، وتخصص للضمان الاجتماعي، ولإسعاف المحاويج، ولكن هذا إنما يفي بشطر واحد من مزايا الاتجاه الإسلامي الذي ترمز إليه تلك الآيات، والذي توخاه بفريضة الزكاة.. هذا الشطر هو كفاية حاجة المحتاجين.. هذا شطر.. والشطر الآخر هو تهذيب أرواح الباذلين، ورفعها إلى ذلك المستوى الكريم. وهو شطر لا يجوز إغفاله ولا التهوين من شأنه فضلا على أن تنقلب المعايير فيوصم ويقبح ويشوه، ويقال: إنه إذلال للآخذين وإفساد للواهبين. إن الإسلام عقيدة قلوب، ومنهج تربية لهذه القلوب. والعاطفة الكريمة تهذب صاحبها وتنفع من يوجهها إليه من إخوانه. فتفي بشطري التربية التي يقصد إليها هذا الدين. ومن ثم كان ذلك التصوير الكريم لذلك الشعور الكريم.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} حيث التعبير عن الرغبة في القرب إليه، فهم يقدمونه لله عندما يقدّمونه لهم ابتغاء مرضاته بعيداً عن النوازع الذاتية، {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً} لا التعويض المادي ولا المعنوي، فهي الرحمة العميقة في القلب المنفتح على الناس من خلال انفتاحه على الله، وهي الروح التي تعيش العطاء كرسالةٍ روحيةٍ تتحسّس حاجات الآخرين وآلامهم، ولذا فإنها تبذل وتبذل، وتتدفّق بالخير كله تماماً كما هو الينبوع عندما يتدفق بالماء إلى الأرض العطشى، وكما هي الشمس تبذل النور إلى كل الآفاق المظلمة التي تتطلّع إلى رحاب الشروق.

بين سموّ العطاء والخوف من الله

وهذا ما تنطلق فيه التربية الإسلامية للشخصية الإنسانية من أجل أن يكون العطاء عنصراً ذاتياً في الإنسان، بحيث يتحرك في ذاته بشكلٍ عفويٍّ، وأن يكون الدافع الأساس في ذلك كله هو ابتغاء وجه الله، حيث ينفتح على الله كما لم ينفتح على غيره، فهو الوجود كله ولا وجود لغيره، وهو الغاية في كل شيء ولا قيمة لسواه، فتكبر الأشياء لديه إذا ارتبطت بالله، وتصغر الأمور عنده إذا انفصلت عن الله، وتتلوّن حياته بهذا اللون السماويّ المشبع بالصفاء، فلا معنى للحياة إلا إذا التقت بالله في مواقع الحياة.

وإذا كان الهدف هو ابتغاء وجه الله في عمق المحبة، فإن الخوف منه قد يؤكِّد الارتباط الروحي من جهة أخرى، فهؤلاء الناس الذين يتمثلون في هذا النموذج الإنساني، يتطلعون إلى اليوم الآخر في أهواله ومشاهده العابسة المرعبة، فيدفعهم الخوف منه إلى الوقوف في خط المسؤولية، فيقدّمون كل شيء لديهم من أجل أن يتخلصوا من عذاب الله في ذلك اليوم.