تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

فإن شككتم في قولي ، وامتريتم في خبري ، فإني أخبركم بأخبار لا علم لي بها ولا درستها في كتاب ، فإخباري بها على وجهها ، من غير زيادة ولا نقص ، أكبر شاهد لصدقي ، وأدل دليل على حق ما جئتكم به ، ولهذا قال : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى } أي : الملائكة { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } لولا تعليم اللّه إياي ، وإيحاؤه إلي .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

قوله تعالى : ( ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ) : الملأ الأعلى هم الملائكة في قول ابن عباس والسدي اختصموا في أمر آدم حين خلق ف " قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها " [ البقرة : 30 ] وقال إبليس : " أنا خير منه " [ الأعراف :12 ] وفي هذا بيان أن محمدا صلى الله عله وسلم أخبر عن قصة آدم وغيره ، وذلك لا يتصور إلا بتأييد إلهي ، فقد قامت المعجزة على صدقه ، فما بالهم أعرضوا عن تدبر القرآن ليعرفوا صدقه ؛ ولهذا وصل قوله بقوله : " قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون " . وقول ثان رواه أبو الأشهب عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سألني ربي فقال : يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات والدرجات قال : وما الكفارات ؟ قلت : المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السَّبَرَات والتعقيب في المساجد بانتظار الصلاة بعد الصلاة قال : وما الدرجات ؟ قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام ) خرجه الترمذي بمعناه عن ابن عباس ، وقال فيه حديث غريب . وعن معاذ بن جبل أيضا وقال حديث حسن صحيح . وقد كتبناه بكماله في كتاب : الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى ، وأوضحنا إشكاله والحمد لله . وقد مضى في " يس " القول في المشي إلى المساجد ، وأن الخطا تكفر السيئات ، وترفع الدرجات . وقيل : الملأ الأعلى الملائكة والضمير في " يختصمون " لفرقتين . يعني قول من قال منهم الملائكة بنات الله ، ومن قال آلهة تعبد . وقيل : الملأ الأعلى ها هنا قريش ، يعني اختصامهم فيما بينهم سرا ، فأطلع الله نبيه على ذلك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَا كَانَ لِيَ مِنۡ عِلۡمِۭ بِٱلۡمَلَإِ ٱلۡأَعۡلَىٰٓ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (69)

لما قصر نفسه الشريفة على الإنذار ، وكانوا ينازعون فيه وينسبونه إلى الكذب ، دل على صدقه وعلى عظيم هذا النبأ بقوله : { ما كان لي } وأعرق في النفي بالتأكيد في قوله : { من علم } أي من جهة أحد من الناس كما تعرفون ذلك من حالي له إحاطة ما { بالملإ } أي الفريق المتصف بالشرف { الأعلى } وهم الملائكة أهل السماوات العلى وآدم وإبليس ، وكأن مخاطبة الله لهم كانت بواسطة ملك كما هو أليق بالكبرياء والجلال ، فصح أن المقاولة بين الملأ { إذ } أي حين ، ولما أفرد وصف الملأ إيذاناً بأنهم في الاتفاق في علو رتبة الطاعة كأنهم شيء واحد ، جمع لئلا يظن حقيقة الوحدة فقال : { يختصمون * } أي في شأن آدم عليه السلام ، أول خليفة في الأرض بل الخليفة المطلق ، لأن خلافه أولاده من خلافته ، وفي الكفارات الواقعة من بينه ، كما أنه ما كان لي من علم بأهل النار إذ يختصمون ، ولا بالخصم الذين دخلوا على داود عليه السلام الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض إذ يختصمون ، ولا بالخصم الذين دخلوا على داود عليه السلام الذي جعله الله تعالى خليفة في الأرض إذ يختصمون وقد علمت ذلك علماً مطابقاً للحق بشهادة الكتب القديمة وأنتم تعلمون أني لم أخالط عالماً قط ، فهذا علم من أعلام النبوة واضح في أني لم أعلم ذلك إلا بالوحي لكوني رسول الله وعبر هنا بالمضارع - وإن كان قد وقع ومضى من أول الدهر - تذكيراً بذلك الحال وإعلاماً بما هم فيه الآن من مثله في الدرجات ، كما سيأتي قريباً في الحديث القدسي ، وعبر في تخاصم أهل النار - وهو لم يأت - بالماضي تنبيهاً على أن وقوعه مما لا ريب فيه ، فكأنه وقع وفرغ منه لأنه قد فرغ من قضائه من لا يرد له قضاء ، لأنه الواحد فلا شريك له ولا منازع .