تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

{ كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا } أي : كأنهم لما جاءهم العذاب ما تمتعوا في ديارهم ، ولا أنسوا بها  ولا تنعموا بها يوما من الدهر ، قد فارقهم النعيم ، وتناولهم العذاب السرمدي ، الذي ينقطع ، الذي كأنه لم يزل .

{ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ } أي : جحدوه بعد أن جاءتهم الآية المبصرة ، { أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ } فما أشقاهم وأذلهم ، نستجير بالله من عذاب الدنيا وخزيها .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

50

ثم يعرض السياق مشهدهم ، معجبا منهم ، ومن سرعة زوالهم :

( كأن لم يغنوا فيها ) . .

كأن لم يقيموا ويتمتعوا . . وإنه لمشهد مؤثر ، وإنها للمسة مثيرة ، والمشهد معروض ، وما بين الحياة والموت - بعد أن يكون - إلا لمحة كومضة العين ، وإذا الحياة كلها شريط سريع . كأن لم يغنوا فيها . . .

ثم الخاتمة المعهودة في هذه السورة : تسجيل الذنب ، وتشييع اللعنة ، وانطواء الصفحة من الواقع ومن الذكرى :

( ألا إن ثمود كفروا ربهم . ألا بعدا لثمود ! ) . .

/خ68

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

و { يغنوا } مضارع من غني في المكان إذا أقام فيه في خفض عيش{[6412]} وهي المغاني : وقرأ حمزة وحده : «ألا ان ثمود » وكذلك في الفرقان والعنكبوت والنجم{[6413]} ، وصرفها الكسائي كلها . وقوله : { ألا بعداً لثمود } واختلف عن عاصم : فروى عنه حفص ترك الإجراء{[6414]} كحمزة ، وروى عنه أبو بكر إجراء الأربعة وتركه في قوله : { الا بعداً لثمود } وقرأ الباقون : «ألا إن ثموداً » فصرفت «ألا بعدا لثمود » غير مصروف ؛ والقراءتان فصيحتان ؛ وكذلك صرفوا في الفرقان والعنكبوت والنجم{[6415]} .


[6412]:-خفض العيش: لينه وسهولته.
[6413]:- أما في "الفرقان" ففي الآية (38)، وأما في "العنكبوت" ففي الآية (38)، وأما في "النجم" ففي الآية (51).
[6414]:- الإجراء هو: الصرف، قال في القاموس: "المجازي: أواخر الكلم"، قال الشارح: وذلك لأن حركات الإعراب والبناء إنما تكون هنالك، فسميت بذلك لأن الصوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منها.
[6415]:- حجة من صرف أمران: أحدهما: أنه جعل (ثمود) اسم حي أو رئيس فصرفه، والآخر: أنه جعله "مفعولا" من الثّمد هو الماء القليل فصرفه. وحجة من لم يصرفه أنه جعله اسما للقبيلة، فاجتمع فيه علّتان فرعيّتان منعتاه من الصرف: إحداهما: التأنيث الذي هو فرع للتذكير، والأخرى: التعريف الذي هو فرع للتنكير. والقُراء مختلفون في "ثمود" وما شاكله من الأسماء الأعجمية، وأكثرهم يتبع سواد النحويين، فما كان فيه ألف صرفوه، وما كان بغير ألف منعوه من الصرف.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{كأن لم يغنوا فيها} يقول: كأنهم لم يكونوا في الدنيا قط، {ألا إن ثمودا كفروا} بتوحيد {ربهم ألا بعدا لثمود} في الهلاك...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها" يقول: كأن لم يعيشوا فيها، ولم يعمروا بها...

"ألا إنّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبّهُمْ" يقول: ألا إن ثمود كفروا بآيات ربهم فجحدوها.

"ألا بُعْدا لِثَمُودَ" يقول: ألا أبعد الله ثمود لنزول العذاب بهم...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

معنى قوله "كأن لم يغنوا "أي كأن لم يقيموا فيها لانقطاع آثارهم بالهلاك وما بقي من أخبارهم الدالة على الخزي الذي نزل بهم... وأصل الغنى الاكتفاء... وغنى بالمكان إذا أقام به، لاكتفائه بالإقامة فيه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان الجثوم كناية عن الموت أوضحه بقوله: {كأن} أي كأنهم {لم يغنوا} أي يقيموا أغنياء لاهين بالغناء {فيها} ثم نبه -على ما استحقوا به ذلك لمن لعله يغفل فيسأل- بقوله مفتتحاً بالأداة التي لا تقال إلا عند الأمور الهائلة: {ألا إن ثموداً} قراءة الصرف دالة على الاستخفاف بهم لطيشهم في المعصية {كفروا ربهم} أي أوقعوا التغطية والستر على المحسن إليهم بالخلق والرزق والإرسال وهو الظاهر وبصفاته وأفعاله، فلا يخفى على أحد أصلاً، فإيصال الفعل دون قصره كما في أكثر أضرابه بيان لغلظة كفرهم؛ ثم كرر ذلك تأكيداً له وإعلاماً بتأبيد هلاكهم بقوله: {ألا بعداً لثمود} ترك صرفهم في قراءة غير الكسائي إيذاناً بدوام لبثهم في الطرد والبعد؛ والصيحة: صوت عظيم من فم حي، والجثوم لدوام مكان واحد أو السقوط على الوجه، وقيل: القعود على الركب؛ وقال {أصبحوا} زيادة في التخويف والتأسيف بما وقع لهم من التحسير لو أدركه أحد منهم لأن الإنسان يفرح إذا أصبح بقيامه من نومه مستريحاً قادراً على ما يريد من الحركات للاستمتاع بما يشتهي من التصرفات، فأصبح هؤلاء -بعد هذه الصفة على ما قص الله- خفوتا أجمعين كنفس واحدة رجالاً ونساء صغاراً وكباراً كأنهم لم يكونوا أصلاً، ولا أصدروا فصلاً ولا وصلاً كأنهم لم يكونوا للعيون قرة، ولم يعدوا في الأحياء مرة كأن لم يغنوا أي يقيموا لانقطاع آثارهم إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي؛ والمغاني: المنازل، وأصل الغناء الاكتفاء؛ ومعنى "ألا "التنبيه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يعرض السياق مشهدهم، معجبا منهم، ومن سرعة زوالهم:

(كأن لم يغنوا فيها)..

كأن لم يقيموا ويتمتعوا.. وإنه لمشهد مؤثر، وإنها للمسة مثيرة، والمشهد معروض، وما بين الحياة والموت -بعد أن يكون- إلا لمحة كومضة العين، وإذا الحياة كلها شريط سريع. كأن لم يغنوا فيها...

ثم الخاتمة المعهودة في هذه السورة: تسجيل الذنب، وتشييع اللعنة، وانطواء الصفحة من الواقع ومن الذكرى:

(ألا إن ثمود كفروا ربهم. ألا بعدا لثمود!)..

تعقيب على قصة صالح مع ثمود

ومرة أخرى نجدنا أمام حلقة من حلقات الرسالة على مدار التاريخ.. الدعوة فيها هي الدعوة. وحقيقة الإسلام فيها هي حقيقته.. عبادة الله وحده بلا شريك، والدينونة لله وحده بلا منازع.. ومرة أخرى نجد الجاهلية التي تعقب الإسلام، ونجد الشرك الذي يعقب التوحيد -فثمود كعاد هم من ذراري المسلمين الذين نجوا في السفينة مع نوح- ولكنهم انحرفوا فصاروا إلى الجاهلية، حتى جاءهم صالح ليردهم إلى الإسلام من جديد..

ثم نجد أن القوم يواجهون الآية الخارقة التي طلبوها، لا بالإيمان والتصديق، ولكن بالجحود وعقر الناقة!

ولقد كان مشركو العرب يطلبون من رسول الله [صلى الله عليه وسلم] خارقة كالخوارق السابقة كي يؤمنوا. فهاهم أولاء قوم صالح قد جاءتهم الخارقة التي طلبوا. فما أغنت معهم شيئا! إن الإيمان لا يحتاج إلى الخوارق. إنه دعوة بسيطة تتدبرها القلوب والعقول. ولكن الجاهلية هي التي تطمس على القلوب والعقول:!!!

ومرة أخرى نجد حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلب من قلوب الصفوة المختارة. قلوب الرسل الكرام. نجدها في قولة صالح التي يحكيها عنه القرآن الكريم: قال:يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي، وآتاني منه رحمة، فمن ينصرني من الله إن عصيته؟ فما تزيدونني غير تخسير.. وذلك بعد أن يصف لهم ربه كما يجده في قلبه: (إن ربي قريب مجيب)..

وما تتجلى حقيقة الألوهية قط في كمالها وجلالها وروائها وجمالها كما تتجلى في قلوب تلك الصفوة المختارة من عباده. فهذه القلوب هي المعرض الصافي الرائق الذي تتجلى فيه هذه الحقيقة على هذا النحو الفريد العجيب!

ثم نقف من القصة أمام الجاهلية التي ترى في الرشد ضلالا؛ وفي الحق عجيبة لا تكاد تتصورها! فصالح الذي كان مرجوا في قومه، لصلاحه ولرجاحة عقله وخلقه، يقف منه قومه موقف اليائس منه، المفجوع فيه! لماذا؟ لأنه دعاهم إلى الدينونة لله وحده. على غير ما ورثوا عن آباءهم من الدينونة لغيره!

إن القلب البشري حين ينحرف شعرة واحدة عن العقيدة الصحيحة، لا يقف عند حد في ضلاله وشروده. حتى إن الحق البسيط الفطري المنطقي ليبدو عنده عجيبة العجائب التي يعجز عن تصورها؛ بينما هو يستسيغ الانحراف الذي لا يستند إلى منطق فطري أو منطق عقلي على الإطلاق!

إن صالحا يناديهم: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.. هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها..).. فهو يناديهم بما في نشأتهم ووجودهم في الأرض من دليل فطري منطقي لا يملكون له ردا.. وهم ما كانوا يزعمون أنهم هم انشأوا أنفسهم، ولا انهم هم كفلوا لأنفسهم البقاء، ولا أعطوا أنفسهم هذه الارزاق التي يستمتعون بها في الأرض..

وظاهر أنهم لم يكونوا يجحدون أن الله -سبحانه- هو الذي أنشأهم من الأرض، وهو الذي أقدرهم على عمارتها. ولكنهم ما كانوا يتبعون هذا الاعتراف بألوهية الله -سبحانه- وإنشائه لهم واستخلافهم في الأرض، بما ينبغي أن يتبعه من الدينونة لله وحده بلا شريك، واتباع أمره وحده بلا منازع.. وهو ما يدعوهم إليه صالح بقوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره). لقد كانت القضية هي ذاتها.. قضية الربوبية لا قضية الألوهية. قضية الدينونة والحاكمية قضية الاتباع والطاعة.. إنها القضية الدائمة التي تدور عليها معركة الإسلام مع الجاهلية!

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كأن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ} أي لم يقيموا فيها، وهو كناية عن زوال أي أثر من آثار الوجود والحركة منها تماماً كما لو لم يكن فيها أحدٌ، وتلك هي العبرة الواعية لمن يريد أن يعتبر، بما تبينه من نتائج سلبية مدمرة للتمرُّد على الله، {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} اي جحدوه، وهذا هو البيان الذي يقدمه الله للناس، {أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ} وهذه هي النتيجة الطبيعيّة لكفرهم، لأن الله يبعد الكافرين عن رحمته، فيعذبهم في الدنيا والآخرة...