نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

ولما كان الجثوم كناية عن الموت أوضحه بقوله : { كأن } أي كأنهم{[39642]} { لم يغنوا } أي يقيموا أغنياء لاهين بالغناء { فيها } ثم نبه - على ما استحقوا به ذلك لمن لعله يغفل فيسأل - بقوله مفتتحاً بالأداة التي لا تقال إلا عند الأمور الهائلة : { ألا إن ثموداً } قراءة الصرف دالة على الاستخفاف بهم لطيشهم في المعصية{[39643]} { كفروا ربهم } أي أوقعوا التغطية والستر على المحسن إليهم بالخلق والرزق والإرسال وهو الظاهر وبصفاته{[39644]} وأفعاله ، فلا يخفى على أحد أصلاً ، فإيصال الفعل دون قصره كما في أكثر أضرابه بيان لغلظة كفرهم{[39645]} ؛ ثم كرر ذلك تأكيداً له وإعلاماً بتأبيد{[39646]} هلاكهم بقوله : { ألا بعداً لثمود* } ترك صرفهم في قراءة غير الكسائي إيذاناً بدوام لبثهم في الطرد والبعد ؛ والصيحة : صوت عظيم من فم حي ، {[39647]}والجثوم لدوام مكان واحد أو السقوط على الوجه ، وقيل : القعود على الركب{[39648]} ؛ وقال { أصبحوا } زيادة في التخويف والتأسيف بما وقع لهم من التحسير لو أدركه أحد منهم لأن الإنسان يفرح إذا أصبح بقيامه من نومه مستريحاً قادراً{[39649]} على ما يريد من الحركات للاستمتاع بما يشتهي من التصرفات ، فأصبح هؤلاء - بعد هذه الصفة على ما قص الله - خفوتا أجمعين كنفس واحدة رجالاً ونساء صغاراً وكباراً كأنهم{[39650]} لم يكونوا أصلاً ، ولا أصدروا فصلاً {[39651]}ولا وصلاً{[39652]} كأنهم لم يكونوا{[39653]} للعيون قرة ، ولم يعدوا في الأحياء مرة كأن {[39654]}لم يغنوا أي{[39655]} يقيموا لانقطاع آثارهم إلا ما بقي من أجسادهم الدالة على الخزي ؛ والمغاني : المنازل ، وأصل الغناء الاكتفاء ؛ ومعنى " ألا " التنبيه{[39656]} ؛ قال الرماني : {[39657]}وهي ألف الاستفهام دخلت على " لا " فالألف تقتضي معنى ، و " لا " تنفي معنى ، فاقتضى الكلام بهما معنى التنبيه{[39658]} مع نفي الغفلة - انتهى .

وكان حقيقته - والله أعلم - أن " لا " دخلت على ما بعدها فنفته{[39659]} ، ثم دخلت عليها همزة الإنكار فنفتها ، ومن المعلوم أن نفي النفي إثبات فرجع المعنى كما كان على أتم وجوه التنبيه و{[39660]} التأكيد ، لأن إثبات المعنى بعد نفيه آكد من إثباته عرياً عن النفي ولا سيما إذا كان المفيد لذلك الإنكار ، وهذا المعنى{[39661]} مطرد في ألا{[39662]} العرضية وهلا التخصيصية ونحوهما ، ويمشي{[39663]} في كل صلة بأن تردها{[39664]} إلى أصل مدلولها في اللغة ثم تتصرف{[39665]} بما يقتضيه الحال - والله الهادي ! {[39666]}ولما جاز الصرف في ثمود باعتبار أنه اسم أبي القبيلة وعدمه باعتبار إطلاقه على القبيلة اختير الصرف في النصب فقط لخفته{[39667]} .


[39642]:في ظ: كانوا.
[39643]:زيد من ظ ومد.
[39644]:من ظ ومد، وفي الأصل: صفاته.
[39645]:زيد من ظ ومد.
[39646]:من ظ ومد، وفي الأصل: بأبيدها ـ كذا.
[39647]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[39648]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[39649]:في ظ: قادر.
[39650]:في ظ: فإنهم.
[39651]:ليس ما بين الرقمين في ظ.
[39652]:ليس ما بين الرقمين في ظ.
[39653]:زيد من ظ ومد.
[39654]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39655]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39656]:زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في ظ ومد فحذفناها.
[39657]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39658]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[39659]:من ظ ومد، وفي الأصل: فنفيه.
[39660]:زيد من مد.
[39661]:في ظ: معنى.
[39662]:زيد من ظ ومد.
[39663]:في ظ: لمشي.
[39664]:من ظ ومد، وفي الأصل: يردها.
[39665]:من مد، وفي الأصل وظ: يتصرف.
[39666]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[39667]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.