تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

{ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي } فليضروني بأدنى شيء من الضرر ، وليكيدوني ، فلا يقدرون .

{ إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } هو المنفرد بنعمة الخلق ، ونعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية .

ثم خصص منها بعض الضروريات فقال : { وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ } فهذا هو وحده المنفرد بذلك ، فيجب أن يفرد بالعبادة والطاعة ، وتترك هذه الأصنام ، التي لا تخلق ، ولا تهدي ، ولا تمرض ، ولا تشفي ، ولا تطعم ولا تسقي ، ولا تميت ، ولا تحيي ، ولا تنفع عابديها ، بكشف الكروب ، ولا مغفرة الذنوب .

فهذا دليل قاطع ، وحجة باهرة ، لا تقدرون أنتم وآباؤكم على معارضتها ، فدل على اشتراككم في الضلال ، وترككم طريق الهدى والرشد . قال الله تعالى : { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } الآيات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

69

( والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) . . فأقصى ما يطمع فيه إبراهيم - عليه السلام - النبي الرسول ، الذي يعرف ربه هذه المعرفة ، ويشعر بربه هذا الشعور ، ويحس في قرارة نفسه هذه القربى . . أقصى ما يطمع فيه أن يغفر له ربه خطيئته يوم الدين . فهو لا يبرىء نفسه ، وهو يخشى أن تكون له خطيئة ، وهو لا يعتمد على عمله ، ولا يرى أنه يستحق بعمله شيئا ، إلا أنه يطمع في فضل ربه ، ويرجو في رحمته ، وهذا وحده هو الذي يطمعه في العفو والمغفرة .

إنه شعور التقوى ، وشعور الأدب ، وشعور التحرج ؛ وهو الشعور الصحيح بقيمة نعمة الله وهي عظيمة عظيمة ، وقيمة عمل العبد وهو ضئيل ضئيل .

وهكذا يجمع إبراهيم في صفة ربه عناصر العقيدة الصحيحة : توحيد الله رب العالمين . والإقرار بتصريفه للبشر في أدق شؤون حياتهم على الأرض . والبعث والحساب بعد الموت وفضل الله وتقصير العبد . وهي العناصر التي ينكرها قومه ، وينكرها المشركون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ} (82)

وأوقف عليه السلام نفسه على الطمع في المغفرة وهذا دليل على شدة خوفه مع منزلته وخلته ، وقوله { خطيئتي } ، ذهب فيه أكثر المفسرين إلى أنه أراد كذباته الثلاث ، قوله هي أختي في شأن سارة ، وقوله { إني سقيم }{[2]} [ الصافات : 89 ] ، وقوله { بل فعله كبيرهم هذا }{[3]} [ الأنبياء : 63 ] ، وقالت فرقة أراد ب » الخطيئة «اسم الجنس فدعا في كل أمره من غير تعيين .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أظهر عندي لأن تلك الثلاث قد خرجها كثير من العلماء على المعارض ، وهي وإن كانت كذبات بحكم قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات{[4]} ، وبحكم ما في حديث الشفاعة من قوله في شأن إبراهيم نفسي نفسي ، وذكر كذباته{[5]}- فهي في مصالح وعون شرع وحق ، وقرأ الجمهور » خطيئتي «بالإفراد ، وقرأ الحسن » خطاياي «بالجمع .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.