ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته ، ملازمين لخدمته وهم الملائكة ، فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة ، ولا ليتعزز بها من ذلة ، وإنما يريد نفع أنفسكم ، وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم ، فقال : إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة المقربين ، وحملة العرش والكروبيين .
لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم وَيُسَبِّحُونَهُ الليل والنهار لا يفترون .
وَلَهُ وحده لا شريك له يَسْجُدُونَ فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام ، وليداوموا [ على ] عبادة الملك العلام .
وللّه الحمد والشكر والثناء . وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم .
ثم يضرب الله مثلاً بالذين عنده من الملائكة المقربين : الذين لا ينزغ في أنفسهم شيطان ، فليس له في تركيب طبيعتهم مكان ! ولا تستبد بهم نزوة ، ولا تغلبهم شهوة . ومع هذا فهم دائبون على تسبيح الله وذكره ، لا يستكبرون عن عبادته ولا يقصرون . وللإنسان أحوج منهم إلى الذكر والعبادة والتسبيح . وطريقه شاق ! وطبيعته قابلة لنزغ الشيطان ! وقابلة للغفلة المردية ! وجهده محدود . لولا هذا الزاد في الطريق الكؤود :
( إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته . ويسبحونه . وله يسجدون ) . .
إن العبادة والذكر عنصر أساسي في منهج هذا الدين . . إنه ليس منهج معرفة نظرية . وجدل لاهوتي . إنه منهج حركة واقعية لتغيير الواقع البشري . وللواقع البشري جذوره وركائزه في نفوس الناس وفي أوضاعهم سواء . وتغيير هذا الواقع الجاهلي إلى الواقع الرباني الذي يريده الله للناس وفق منهجه مسألة شاقة عسيرة ؛ تحتاج إلى جهد طويل ، وإلى صبر عميق . وطاقة صاحب الدعوة محدودة . ولا قبل له بمواجهة هذه المشقة دون زاد يستمده من ربه . إنه ليس العلم وحده ، وليست المعرفة وحدها . إنما هي العبادة لله والاستمداد منه . . هي الزاد ، وهي السند ، وهي العون ؛ في الطريق الشاق الطويل !
ومن ثم هذا التوجيه الأخير في السورة التي بدأت بقول الله سبحانه لرسوله الكريم ، ( كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه ، لتنذر به ، وذكرى للمؤمنين ) . . والتي تضمن سياقها عرض موكب الإيمان ، بقيادة الرهط الكريم من رسل الله الكرام ؛ وما يعترض طريقه من كيد الشيطان الرجيم ؛ ومن مكر شياطين الجن والإنس ؛ ومن معارضة المتجبرين في الأرض ، وحرب الطواغيت المتسلطين على رقاب العباد .
{ إن الذين عند ربك } يعني ملائكة الملأ الأعلى . { لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه } وينزهونه . { وله يسجدون } ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول : يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار " .
وقوله { الذين } يريد الملائكة ، وقوله { عند } إنما يريد في المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان ، فهم بذلك عنده ، ثم وصف تعالى حالهم من تواضعهم وإدمانهم للعبادة والتسبيح والسجود ، وفي الحديث : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد » وهذا موضع سجدة ، قال النخعي في كتاب النقاش : إن شئت ركعت وإن شئت سجدت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.