تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

{ 96 - 98 } { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ }

هذا من مكارم الأخلاق ، التي أمر الله رسوله بها فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } أي : إذا أساء إليك أعداؤك ، بالقول والفعل ، فلا تقابلهم بالإساءة ، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته ، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم ، فإن ذلك فضل منك على المسيء ، ومن مصالح ذلك ، أنه تخف الإساءة عنك ، في الحال ، وفي المستقبل ، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق ، وأقرب إلى ندمه وأسفه ، ورجوعه بالتوبة عما فعل ، وليتصف العافي بصفة الإحسان ، ويقهر بذلك عدوه الشيطان ، وليستوجب الثواب من الرب ، قال تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } وقال تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا } أي : ما يوفق لهذا الخلق الجميل { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }

وقوله : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي : بما يقولون من الأقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق ، قد أحاط علمنا بذلك ، وقد حلمنا عنهم ، وأمهلناهم ، وصبرنا عليهم ، والحق لنا ، وتكذيبهم لنا ، فأنت -يا محمد- ينبغي لك أن تصبر على ما يقولون ، وتقابلهم بالإحسان ، هذه  وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر ، وأما المسيء من الشياطين ، فإنه لا يفيد فيه الإحسان ، ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

53

فأما حين نزول هذه السورة - وهي مكية - فكان منهج الدعوة دفع السيئة بالتي هي أحسن ؛ والصبر حتى يأتي أمر الله ؛ وتفويض الأمر لله :

( ادفع بالتي هي أحسن السيئة . نحن أعلم بما يصفون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

ثم قال مرشدًا له إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس ، وهو الإحسان إلى من يسيء ، ليستجلب خاطره ، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة ، فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } ، وهذا كما قال في الآية الأخرى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 ، 35 ] : أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة{[20656]} أو الصفة { إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي : على أذى الناس ، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح ، { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي : في الدنيا والآخرة .


[20656]:- في ف : "الخصلة أو الوصية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

وقوله { ادفع بالتي هي أحسن } الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها ، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً{[8539]} وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال ، وقوله { نحن أعلم بما يصفون } يقتضي أنها آية موادعة ، وقال مجاهد «الدفع بالتي هي أحسن » هو السلام يسلم عليه إذا لقيه ، وقال الحسن : والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه عما يكره .

قال الفقيه الإمام القاضي : هذه الطرفان{[8539]} وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا .


[8539]:نقل القرطبي معنى هذه الآية عن ابن عطية دون أن يشير إليه، وهذه الجملة عنده جاءت في عبارة أوضح، نصها: "فما كان منها لهذه الأمة فيما بينهم فهو محكم باق في الأمة أبدا"، ونعتقد أنها هي العبارة الصحيحة لابن عطية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ ٱلسَّيِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} (96)

لما أنبأ الله رسوله عليه الصلاة والسلام بما يلمح له بأنه منجز وعيده من الذين كذبوه فعلم الرسولُ والمسلمون أن الله ضمن لهم النصر أعقب ذلك بأن أمره بأن يدفع مكذبيه بالتي هي أحسن وأن لا يضيق بتكذيبهم صدره فذلك دفع السيئة بالحسنة كما هو أدب الإسلام . وسيأتي بيانه في سورة فصلت ( 34 ) عند قوله { ادفع بالتي هي أحسن } .

وقوله نحن أعلم بما يصفون } خبر مستعمل كناية عن كون الله يعامل أصحاب الإساءة لرسوله بما هم أحقاء به من العقاب لأن الذي هو أعلم بالأحوال يُجري عمله على مناسب تلك الأحوال بالعدل وفي هذا تطمين لنفس الرسول صلى الله عليه وسلم .

وحذف مفعول { يصفون } وتقديره : بما يصفونك ، أي مما يضيق به صدرك . وذلك تعهد بأنه يجازيهم على ما يعلم منهم قرُب أحد يبدو منه السوء ينطوي ضميره على بعض الخير فقد كان فيهم من يحدب على النبي في نفسه ، ورب أحد هو بعكسه كما قال تعالى : { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } [ البقرة : 204 ] .

و { التي هي أحسن } مراد بها الحسنة الكاملة ، فاسم التفضيل للمبالغة مثل قوله { السجن أحب إليَّ } [ يوسف : 33 ] .

والتخلق بهذه الآية هو أن المؤمن الكامل ينبغي له أن يفوض أمر المعتدين عليه إلى الله فهو يتولى الانتصار لمن توكل عليه وأنه إن قابل السيئة بالحسنة كان انتصار الله أشفى لصدره وأرسخ في نصره ، وماذا تبلغ قدرة المخلوق تجاه قدرة الخالق ، وهو الذي هزم الأحزاب بلا جيوش ولا فيالق .

وهكذا كان خلُق النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان لا ينتقم لنفسه وكان يدعو ربه . وذكر في « المدارك » في ترجمة عبد الله بن غانم : أن رجلاً يقال له ابن زرعة كان له جاه ورئاسة وكان ابن غانم حكم عليه بوجه حق ترتب عليه ، فلقي ابنَ غانم في موضع خال فشتمه فأعرض عنه ابن غانم فلما كان بعد ذلك لقيه بالطريق فسلم ابن زرعة على ابن غانم فرد عليه ابن غانم ورحب به ومضى معه إلى منزله وعمل له طعاماً فلما أراد مفارقته قال لابن غانم : يا أبا عبد الرحمن اغفر لي واجعلني في حل مما كان من خطابي ، فقال له ابن غانم : أما هذا فلست أفعله حتى أوقفك بين يدي الله تعالى ، وأما أن ينالك مني في الدنيا مكروه أو عقوبة فلا .