تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا العظيمة الدالة على صحة ما أرسلنا به رسلنا .

وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ لأنها على غير أساس ، وقد فقد شرطها وهو الإيمان بآيات اللّه ، والتصديق بجزائه هَلْ يُجْزَوْنَ في بطلان أعمالهم وحصول ضد مقصودهم إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فإن أعمال من لا يؤمن باليوم الآخر ، لا يرجو فيها ثوابا ، وليس لها غاية تنتهي إليه ، فلذلك اضمحلت وبطلت .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

138

( والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم . هل يجزون إلا ما كانوا يعملون )

وحبوط الأعمال مأخوذ من قولهم : حبطت الناقة . . إذا رعت نباتاً ساماً ، فانتفخ بطنها ثم نفقت . . وهو وصف ملحوظ فيه طبيعة الباطل الذي يصدر من المكذبين بآيات الله ولقاء الآخرة . فهو ينتفخ حتى يظنه الناس من عظمة وقوة ! ثم ينفق كما تنفق الناقة التي رعت ذلك النبات السام !

وإنه لجزاء كذلك حق أن تحبط وتهلك أعمال الذين كذبوا بآيات الله ولقاء الآخرة . . ولكن كيف تحبط هذه الأعمال ؟

من ناحية الاعتقاد . . نحن نؤمن بصدق وعيد الله لا محالة ، أياً كانت الظواهر التي تخالف هذه العاقبة المحتومة . فحيثما كذب أحد بآيات الله ولقائه في الآخرة حبط عمله وبطل ، وهلك في النهاية وذهب كأن لم يكن . .

ومن ناحية النظر . . نحن نجد السبب واضحاً في حياة البشر . . إن الذي يكذب بآيات الله المبثوثة في صفحات هذا الكون المنشور ، أو آياته المصاحبة للرسالات ، أو التي يحملها الرسل ؛ ويكذب تبعاً لهذا بلقاء الله في اليوم الآخر . . إن هذا الكائن المسيخ روح ضالة شاردة عن طبيعة هذا الكون المؤمن المسلم ونواميسه . . لا تربطه بهذا الكون رابطة . وهو منقطع عن دوافع الحركة الصادقة الموصولة بغاية الوجود واتجاهه . وكل عمل يصدر عن مثل هذا المسخ المقطوع هو عمل حابط ضائع ، ولو بدا أنه قائم وناجح . لأنه لا ينبعث عن البواعث الأصيلة العميقة في بنية هذا الوجود ؛ ولا يتجه الى الغاية الكبيرة التي يتجه اليها الكون كله . شأنه شأن الجدول الذي ينقطع عن النبع الأول ؛ فمآله الى الجفاف والضياع في يوم قريب أو بعيد !

والذين لا يرون العلاقة الوثيقة بين تلك القيم الإيمانية وحركة التاريخ الإنساني ؛ والذين يغفلون عن قدر الله الذي يجري بعاقبة الذين يتنكرون لهذه القيم . . هؤلاء إنما هم الغافلون الذين أعلن الله - سبحانه - عن مشيئته في أمرهم ، بصرفهم عن رؤية آياته ، وتدبر سننه . . وقدر الله يتربص بهم وهم عنه غافلون . .

والذين يخدعهم ما يرونه في الأمد القصير المحدود ، من فلاح بعض الذين يغفلون عن تلك القيم الإيمانية ونجاحهم ؛ إنما يخدعهم الانتفاخ الذي يصيب الدابة وقد رعت النبت السام ؛ فيحسبونه شحماً وسمنة وعافية وصحة . . والهلاك يترصدها بعد الانتفاخ والحبوط !

والأمم التي خلت شاهد واقع . ولكن الذين سكنوا مساكنهم من بعدهم ، لا يأخذون منهم عبرة ، ولا يرون سنة الله التي تعمل ولا تتخلف ؛ وقدر الله الذي يجري ولا يتوقف . . والله من ورائهم محيط . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

وقوله : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أي : من فعل منهم ذلك واستمر عليه إلى الممات ، حبط عمله .

وقوله : { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : إنما نجازيهم بحسب{[12136]} أعمالهم التي أسلفوها ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ، وكما تدين تدان .


[12136]:في أ: "نجازيهم إلا بحسب".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡۚ هَلۡ يُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (147)

وقوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة } الآية ، هذه الآية مؤكدة للتي قبلها وسوقها في جملة المكذب به ، ولقاء الآخرة لفظ يتضمن تهديداً أي هنالك يفتضح لهم حالهم ، و { حبطت } معناه سقطت وفسدت ، وأصل الحبط فيما تقدم صلاحه ولكنه قد يستعمل في الذي كان أول مرة فاسداً إذ مآل العاملين واحد ، وقوله { هل يجزون } استفهام بمعنى التقرير أي يستوجبون بسوء فعلهم إلا عقوبة ، وساغ أن يستعمل { حبطت } هنا إذ كانت أعمالهم في معتقداتهم جارية في طريق صلاح فكأن الحبط فيها إنما هو بحسب معتقداتهم وأما بحسب ما هي عليه في أنفسها ففاسدة منذ أول أمرها ، ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطاً أو يلم أي فساداً لكثرة الأكل بعد الصلاح الذي كان أولاً ، وقرأ ابن عباس وأبو السمال «حبَطت » بفتح الباء .