ربما قيل : لعله يكثر مدعو الإيمان فهل يقبل من كل أحد ادعى [ ص 601 ] أنه مؤمن ذلك ؟ أم لا بد لذلك من دليل ؟ وهو الحق فلذلك بين تعالى صفة المؤمنين فقال : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ }فرضها ونفلها فيأتون بأفعالها الظاهرة ، من أركانها وشروطها وواجباتها بل ومستحباتها ، وأفعالها الباطنة وهو الخشوع الذي روحها ولبها باستحضار قرب الله وتدبر ما يقول المصلي ويفعله .
{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } المفروضة لمستحقيها . { وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أي : قد بلغ معهم الإيمان إلى أن وصل إلى درجة اليقين وهو العلم التام الواصل إلى القلب الداعي إلى العمل . ويقينهم بالآخرة يقتضي كمال سعيهم لها ، وحذرهم من أسباب العذاب وموجبات العقاب وهذا أصل كل خير .
والسورة تعرض صفة المؤمنين الذين يجدون القرآن هدى وبشرى . . إنهم هم :
( الذين يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون ) . .
يقيمون الصلاة . . فيؤدونها حق أدائها ، يقظة قلوبهم لموقفهم بين يدي الله ، شاعرة أرواحهم بأنهم في حضرة ذي الجلال والإكرام ، مرتفعة مشاعرهم إلى ذلك الأفق الوضيء ، مشغولة خواطرهم بنجاء الله ودعائه والتوجه إليه في محضره العظيم .
ويؤتون الزكاة . . فيطهرون نفوسهم من رذيلة الشح ؛ ويستعلون بأرواحهم على فتنة المال ؛ ويصلون إخوانهم في الله ببعض ما رزقهم الله ؛ ويقومون بحق الجماعة المسلمة التي هم فيها أعضاء .
وهم بالآخرة هم يوقنون . . فإذا حساب الآخرة يشغل بالهم ، ويصدهم عن جموح الشهوات ، ويغمر أرواحهم بتقوى الله وخشيته والحياء من الوقوف بين يديه موقف العصاة .
هؤلاء المؤمنون الذاكرون الله ، القائمون بتكاليفه ، المشفقون من حسابه وعقابه ، الطامعون فى رضائه وثوابه . . هؤلاء هم الذين تنفتح قلوبهم للقرآن ، فإذا هو هدى وبشرى . وإذا هو نور في أرواحهم ، ودفعة في دمائهم ، وحركة في حياتهم . وإذا هو زادهم الذي به يبلغون ؛ وريهم الذي به يشتفون .
وقوله : الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاةَ يقول : هو هدى وبشرى لمن آمن بها ، وأقام الصلاة المفروضة بحدودها . وقوله : وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ يقول : ويؤدّون الزكاة المفروضة . وقيل : معناه : ويطهرون أجسادهم من دنس المعاصي . وقد بيّنا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يقول : وهم مع إقامتهم الصلاة ، وإيتائهم الزكاة الواجبة ، بالمعاد إلى الله بعد الممات يوقنون ، فيذلون في طاعة الله ، رجاء جزيل ثوابه ، وخوف عظيم عقابه ، وليسوا كالذين يكذّبون بالبعث ، ولا يبالون ، أحسنوا أم أساءوا ، وأطاعوا أم عصوا ، لأنهم إن أحسنوا لم يرجوا ثوابا ، وإن أساءوا لم يخافوا عقابا .
وصف المؤمنين بالموصول لتمييزهم عن غيرهم لأنهم عُرفوا يومئذ بإقامة الصلاة وإعطاء الصدقات للفقراء والمساكين ، ألا ترى أن الله عرّف الكفار بقوله { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } [ فصلت : 6 ، 7 ] ، ولأن في الصلة إيماء إلى وجه بناء الإخبار عنهم بأنهم على هدى من ربّهم ومفلحون .
و { الزكاة } : الصدقة لأنها تزكي النفس أو تزكي المال ، أي تزيده بركة . والمراد بالزكاة هنا الصدقة مطلقاً أو صدقة واجبة كانت على المسلمين ، وهي مواساة بعضهم بعضاً كما دل عليه قوله في صفة المشركين { بل لا تكرمون اليتيمَ ولا تحضّون على طعام المسكين } [ الفجر : 17 ، 18 ] . وأما الزكاة المقدرة بالنُّصُب والمقادير الواجبة على أموال الأغنياء فإنها فرضت بعد الهجرة فليست مراداً هنا لأن هذه السورة مكية .
وجملة : { وهم بالأخرة هم يوقنون } عطف على الصلة وليست من الصلة ، ولذلك خولف بين أسلوبها وأسلوب الصلة فأتي له بجملة اسمية اهتماماً بمضمونها لأنه باعث على فعل الخيرات ، على أن ضمير { هم } الثاني يجوز أن يعتبر ضمير فصل دالاً على القصر ، أي ما يوقن بالآخرة إلا هؤلاء .
والقصْر إضافي بالنسبة إلى مجاوريهم من المشركين ، وإلا فإن أهل الكتاب يوقنون بالآخرة ، إلا أنهم غير مقصود حالهم للمخاطبين من الفريقين . وتقديم { بالأخرة } للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.