الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ} (3)

قوله : { الَّذِينَ يُقِيمُونَ } : يجوزْ أَنْ يكونَ مجرورَ المحلِّ نعتاً للمؤمنين ، أو بدلاً ، أو بياناً ، أو منصوبه على المدحِ أو مرفوعَه على تقديرِ مبتدأ أي : هم الذين .

قوله : { وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } " هم " الثاني تكريرٌ للأول على سبيلِ التوكيدِ اللفظيَّ . وفهم الزمخشري منه الحَصْرَ أي : لا يُوقِنُ بالآخرةِ حقَّ الإِيقانِ إلاَّ هؤلاءِ المتصفونَ بهذه الصفاتِ . و " بالآخرةِ " متعلقٌ ب " يُوقنون " ولا يَضُرُّ الفصلُ بينهما بالتوكيدِ . وهذه الجملةُ يُحتمل أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ داخلةً في حَيِّزِ الموصولِ ، وحينئذٍ يكون قد غايَرَ بين الصلتين لمعنىً : وهو أنَّه لَمَّا كان إقامةُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ ممَّا يتكرَّرُ ويتجدَّدُ أتى بالصلتين جملةً فعليةً فقال : " يُقيمون " و " يُؤْتُون " . ولمَّا كان الإِيقانُ بالآخرةِ أمراً ثابتاً مطلوباً دوامُه أتى بالصلةِ جملةً اسميةً مكَّرراً فيها المسندُ إليه مُقَدَّماً فيها المُوْقَنُ به الدالُّ على الاختصاصِ ليدلَّ على الثباتِ والاستقرارِ . وجاء بخبرِ المبتدأ في هذه الجملةِ فعلاً مضارعاً ، دلالةً على أنَّ ذلك مُتَجَدِّدٌ كلَّ وقتٍ غيرُ منقطعٍ . ويُحتمل أَنْ تكونَ مستأنفةً غيرَ داخلةٍ في حَيِّز الموصولِ .

قال الزمخشري : " ويُحتمل أَنْ تَتِمَّ الصلةُ عنده " أي : عند قولِه : " وهم " . قال " وتكونُ الجملةُ اعتراضيةً " يريد أنَّ الصلةَ تَمَّتْ عند " الزكاةِ " فيجوزُ في ذلك . وإلاَّ فكيف يَصِحُّ إذا أخَذْنا بظاهرِ كلامِه أنَّ الصِّلةَ تَمَّتْ عند قولِه " وهم " ؟ وتسميتُه هذا اعتراضاً يعني من حيث المعنى ، وسياقُ الكلام ، وإلاَّ فالاعتراضُ في الاصطلاحِ لِما يكون بين متلازِمَيْنِ من مبتدأ وخبرٍ ، وشرطٍ وجزاءٍ ، وقَسَمٍ وجوابِه ، وتابعٍ ومتبوعٍ ، وصلةٍ وموصولٍ ، وليس هنا شيءٌ من ذلك .