أي : من هو الذي يهديكم حين تكونون في ظلمات البر والبحر ، حيث لا دليل ولا معلم يرى ولا وسيلة إلى النجاة إلا هدايته لكم ، وتيسيره الطريق وجعل ما جعل لكم من الأسباب التي تهتدون بها ، { وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : بين يدي المطر ، فيرسلها فتثير السحاب ثم تؤلفه ثم تجمعه ثم تلقحه ثم تدره ، فيستبشر بذلك العباد قبل نزول المطر . { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } فعل ذلك ؟ أم هو وحده الذي انفرد به ؟ فلم أشركتم معه غيره وعبدتم سواه ؟ { تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تعاظم وتنزه وتقدس عن شركهم وتسويتهم به غيره .
ثم يمضي السياق إلى بعض الحقائق الأخرى الممثلة في حياة الناس ونشاطهم على هذا الكوكب ، ومشاهداتهم التي لا تنكر :
( أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ، ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? أإله مع الله ? تعالى الله عما يشركون ! ) . . .
والناس - ومنهم المخاطبون أول مرة بهذا القرآن - يسلكون فجاج البر والبحر في أسفارهم ؛ ويسبرون أسرار البر والبحر في تجاربهم . . ويهتدون . . فمن يهديهم ? من أودع كيانهم تلك القوى المدركة ? من أقدرهم على الاهتداء بالنجوم وبالآلات وبالمعالم ? من وصل فطرتهم بفطرة هذا الكون ، وطاقاتهم بأسراره ? من جعل لآذانهم تلك القدرة على التقاط الأصوات ، ولعيونهم تلك القدرة على التقاط الأضواء ? ولحواسهم تلك القدرة على التقاط المحسوسات ? ثم جعل لهم تلك الطاقة المدركة المسماة بالعقل أو القلب للإنتفاع بكل المدركات ، وتجميع تجارب الحواس والإلهامات ?
( ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? ) . .
والرياح مهما قيل في أسبابها الفلكية والجغرافية ، تابعة للتصميم الكوني الأول ، الذي يسمح بجريانها على النحو الذي تجري به ، حاملة السحب من مكان إلى مكان ، مبشرة بالمطر الذي تتجلى فيه رحمة الله ، وهو سبب الحياة .
فمن الذي فطر هذا الكون على خلقته ، فأرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته ? من ?
القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلََهٌ مّعَ اللّهِ تَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أم ما تشركون بالله خير ، أم الذي يهديكم في ظلمات البرّ والبحر إذا ضللتم فيهما الطريق ، فأظلمت عليكم السبل فيهما ؟ كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { أمّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ } والظّلمات في البر ، ضلاله الطريق ، والبحر ، ضلاله طريقه وموجه وما يكون فيه . قوله : { وَمَنْ يُرْسِلُ الرّياحَ نُشْرا بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يقول : والذي يرسل الرياح نشرا لموتان الأرض بين يدي رحمته ، يعني : قدام الغيث الذي يحيى موات الأرض . وقوله : { أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ تَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالى ذكره : أءله مع الله سوى الله يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه ، أو تشركوه في عبادتكم إياه تَعَالى اللّهُ يقول : لله العلوّ والرفعة عن شرككم الذي تشركون به ، وعبادتكم معه ما تعبدون .
و «الظلمات » عام لظلمة الليل التي هي الحقيقة في اللغة ولظلمة الجهل والضلال والخوف التي هي مجازات وتشبيهات وهذا كقول الشاعر :
«تجلت عمايات الرجال عن الصبا »{[9050]} . . . وكما تقول أظلم الأمر وأنار ، وقد تقدم اختلاف القراء في قوله { نشراً } ، وقرأ الحسن وغيره ، «يشركون » بالياء على الغيبة ، وقرأ الجمهور «تشركون » على المخاطبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.