{ بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ْ } أي : يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير ، وما هو لكم ، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية ، وهو ضار لكم جدا .
{ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ْ } فاعملوا بمقتضى الإيمان ، { وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ْ } أي : لست بحافظ لأعمالكم ، ووكيل عليها ، وإنما الذي يحفظها الله تعالى ، وأما أنا ، فأبلغكم ما أرسلت به .
( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ) . .
فما عند الله أبقى وأفضل . . وقد دعاهم في أول حديثه إلى عبادة الله وحده - أي الدينونة له بلا شريك -
فهو يذكرهم بها هنا ، مع ذكر الخير الباقي لهم عند الله إن آمنوا كما دعاهم ، واتبعوا نصيحته في المعاملات . وهي فرع عن ذلك الإيمان .
( بقية الله خير لكم . . إن كنتم مؤمنين ) . .
ثم يخلي بينهم وبين الله الذي دعاهم إليه ، ويبين لهم أنه هو لا يملك لهم شيئا ، كما أنه ليس موكلا بحفظهم من الشر والعذاب . وليس موكلا كذلك بحفظهم من الضلال ولا مسؤولا عنهم إن هم ضلوا ، إنما عليه البلاغ وقد أداه :
ومثل هذا الأسلوب يشعر المخاطبين بخطورة الأمر ، وبثقل التبعة ، ويقفهم وجها لوجه أمام العاقبة بلا وسيط ولا حفيظ .
القول في تأويل قوله تعالى : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : { بَقِيّة اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } : ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط ، فأحله لكم ، خير لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان ، { إنْ كُنْتمْ مُؤْمِنِينَ } . يقول : إن كنتم مصدّقين بوعد الله ووعيده وحلاله وحرامه . وهذا قول رُوي عن ابن عباس بإسناد غير مرتضىً عند أهل النقل .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ؛ فقال بعضهم : معناه : طاعة الله خير لكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } ، قال : طاعة الله خير لكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد : { بَقِيّةُ اللّهِ } ، قال : طاعة الله خَيْرٌ لَكُمْ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { بَقِيّةُ اللّهِ } ، قال : طاعة الله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن ليث ، عن مجاهد : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } ، قال : طاعة الله خير لكم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } ، قال : طاعة الله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .
وقال آخرون : معنى ذلك : حظّكم من ربكم خير لكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } : حظكم من ربكم خير لكم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } ، قال : حظكم من الله خير لكم .
وقال آخرون : معناه : رزق الله خير لكم . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عمن ذكره ، عن ابن عباس : { بَقِيّةُ اللّهِ } ، قال : رزق الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنين } ، قال : الهلاك في العذاب ، والبقية في الرحمة .
وإنما اخترت في تأويل ذلك القول الذي اخترته ، لأن الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان ، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب ، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظّ في الوفاء في الدنيا والآخرة أولى ، مع أن قوله : { بَقِيّةُ } ، إنما هي مصدر من قول القائل : بَقيت بَقِيّة من كذا ، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى : بقية الله التي أبقاها لكم مما لكم بعد وفائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس ببخسكم إياهم في الكيل والوزن .
وقوله : { وَما أنا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } ، يقول : وما أنا عليكم أيها الناس برقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم هل توفون الناس حقوقهم أم تظلمونهم ، وإنما عليّ أن أبلغكم رسالة ربي فقد أبلغتكموها .
{ بقيّتُ الله } ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم . { خير لكم } مما تجمعون بالتطفيف . { إن كنتم مؤمنين } بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالإيمان . أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم . وقيل البقية الطاعة كقوله : { والباقيات الصالحات } وقرئ " تقية " الله بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي .
{ وما أنا عليكم بحفيظ } أحفظكم عن القبائح ، أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وإنما أنا ناصح مبلغ وقد أعذرت حين أنذرت ، أو لست بحافظ عليكم نعم الله لو لم تتركوا سوء صنيعكم .
وقوله : { بقيت الله } قال ابن عباس معناه الذي يبقي الله لكم من أموالكم بعد توفيتكم الكيل والوزن حير لكم مما تستكثرون أنتم به على غير وجهه .
قال القاضي أبو محمد : وهذا تفسير يليق بلفظ الآية وقال مجاهد : معناه طاعة الله ، وقال ابن عباس - أيضاً - معناه رزق الله ، وهذا كله لا يعطيه لفظ الآية ، وإنما المعنى عندي - إبقاء الله عليكم إن أطعتم . وقرأ إسماعيل بن جعفر عن أهل المدينة بتخفيف الياء وهي لغة .
وقوله : { إن كنتم مؤمنين } شرط في أن تكون البقية خيراً لهم ، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال ، وجواب هذا الشرط ، متقدم ، و «الحفيظ » المراقب الذي يحفظ أحوال من يرقب ، والمعنى : إنما أنا مبلغ والحفيظ المحاسب هو الذي يجازيكم بالأعمال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.