تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ} (11)

{ 11 - 14 } { قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ }

أي : قال إخوة يوسف ، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم : { يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ْ } أي : لأي شيء يدخلك الخوف منا على يوسف ، من غير سبب ولا موجب ؟ { وَ ْ } الحال { إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ْ } أي : مشفقون عليه ، نود له ما نود لأنفسنا ، وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها .

فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة من عدم إرساله معهم ، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه الذي يحبه أبوه له ، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم ، فقالوا : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ ْ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ} (11)

فها هم أولاء عند أبيهم ، يراودونه في اصطحاب يوسف معهم منذ الغداة . وها هم أولاء يخادعون أباهم ، ويمكرون به وبيوسف . فلنشهد ولنستمع لما يدور :

( قالوا : يا أبانا ، مالك لا تأمنا على يوسف ، وإنا له لناصحون . أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ، وإنا له لحافظون ! قال : إني ليحزنني أن تذهبوا به ، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون . قالوا : لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون ) . .

والتعبير يرسم بكلماته وعباراته كل ما بذلوه ليتدسسوا به إلى قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب ، الذي يتوسم فيه أن يكون الوارث لبركات أبيه إبراهيم . .

( يا أبانا ) . .

بهذا اللفظ الموحي المذكر بما بينه وبينهم من آصرة .

مالك لا تأمنا على يوسف ؟ . .

سؤال فيه عتب وفيه استنكار خفي ، وفيه استجاشة لنفي مدلوله من أبيهم ، والتسليم لهم بعكسه وهو تسليمهم يوسف . فهو كان يستبقي يوسف معه ولا يرسله مع إخوته إلى المراعي والجهات الخلوية التي يرتادونها لأنه يحبه ويخشى عليه ألا يحتمل الجو والجهد الذي يحتملونه وهم كبار ، لا لأنه لا يأمنهم عليه . فمبادرتهم له بأنه لا يأتمنهم على أخيهم وهو أبوهم ، مقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر ؛ ومن ثم يفقد إصراره على احتجاز يوسف . فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة !

مالك لا تأمنا على يوسف ؟ وإنا له لناصحون . .

قلوبنا له صافية لا يخالطها سوء - وكاد المريب أن يقول خذوني - فذكر النصح هنا وهو الصفاء والإخلاص يشي بما كانوا يحاولون إخفاءه من الدغل المريب . .