البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ} (11)

ارتعى افتعل من الرعي بمعنى المراعاة وهي الحفظ للشيء ، أو من الرعي وهو أكل الحشيش والنبات ، يقال : رعت الماشية الكلأ ترعاه رعياً أكلته ، والرعي بالكسر الكلأ ، ومثله ارتعى .

قال الأعشى :

ترتعي السفح فالكثيب فذا ق *** ر فروض القطا فذات الرمال

رتع أقام في خصب وتنعم ، ومنه قول الغضبان بن القبعثري : القيد ، والمتعة ، وقلة الرتعة .

وقول الشاعر :

أكفراً بعد رد الموت عني *** وبعد عطائك المائة الرتاعا

الذئب : سبع معروف ، وليس في صقعنا الأندلسي ، ويجمع على أذؤب وذئاب وذؤبان قال :

وأزور يمطو في بلاد بعيدة *** تعاوى به ذؤبانه وثعالبه

وأرض مذأبة كثيرة الذئاب ، وتذاءبت الريح جاءت من هنا ومن هنا ، فعل الذئب ومنه الذؤابة من الشعر لكونها تنوس إلى هنا وإلى هنا .

{ قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون .

أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون .

قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون } : لما تقرر في أذهانهم التفريق بين يوسف وأبيه ، أعملوا الحيلة على يعقوب وتلطفوا في إخراجه معهم ، وذكروا نصحهم له وما في إرساله معهم من انشراح صدره بالارتعاء واللعب ، إذ هو مما يشرح الصبيان ، وذكروا حفظهم له مما يسوؤه .

وفي قولهم : ما لك لا تأمنا ، دليل على أنهم تقدم منهم سؤال في أنْ يخرج معهم ، وذكروا سبب الأمن وهو النصح أي : لم لا تأمنا عليه وحالتنا هذا ؟ والنصح دليل على الأمانة ، ولهذا قرنا في قوله : ناصح أمين ، وكان قد أحس منهم قبل ما أوجب أنْ لا يأمنهم عليه .

ولا تأمنا جملة حالية ، وهذا الاستفهام صحبة التعجب .

وقرأ زيد بن علي ، وأبو جعفر ، والزهري ، وعمرو بن عبيد : بإدغام نون تأمن في نون الضمير من غير إشمام ومجيئه بعد مالك ، والمعنى : يرشد إلى أنه نفي لا نهي ، وليس كقولهم : ما أحسننا في التعجب ، لأنه لو أدغم لالتبس بالنفي .

وقرأ الجمهور : بالإدغام والإشمام للضم ، وعنهم إخفاء الحركة ، فلا يكون إدغاماً محضاً .

وقرأ ابن هرمز : بضم الميم ، فتكون الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب الميم حركتها ، وإدغام النون في النون .

وقرأ أبي ، والحسن ، وطلحة بن مصرف ، والأعمش : لا تأمننا بالإظهار ، وضم النون على الأصل ، وخط المصحف بنون واحدة .

وقرأ ابن وثاب ، وأبو رزين : لا يتمنا على لغة تميم ، وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب .