الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ} (11)

قوله تعالى : { لاَ تَأْمَنَّا } : حالٌ وتقدَّم نظيرُه . وقرأ العامَّة " تأمَنَّا " بالإِخفاء ، وهو عبارةٌ عن تضعيفِ الصوت بالحركة والفصل بين النونين ، لا أنَّ النونَ تُسَكَّن رَأْساً ، فيكون ذلك إخفاءً لا إدغاماً . قال الداني : " وهو قولُ عامَّةِ أئمَّتنا وهو الصوابُ لتأكيد دلالته وصحته في القياس " .

وقرأ بعضُهم ذلك بالإِشمام ، وهو عبارةٌ عن ضمِّ الشفتين إشارةً إلى حركة الفعل مع الإِدغامِ الصريح كما يشير إليها الواقف ، وفيه عُسْرٌ كبير قالوا : وتكون الإِشارة إلى الضمة بعد الإِدغام أو قبل كمالِه ، والإِشمامُ يقع بإزاء معانٍ هذا مِنْ جُمْلتها ، ومنها إشراب الكسرةِ شيئاً مِن الضم نحو :

{ قِيلَ } [ البقرة : 11 ] و { وَغِيضَ } [ هود : 44 ] وبابه ، وقد تقدم أولَ البقرة . ومنها إشمامُ أحدِ حرفين شيئاً من الآخر كإشمام الصاد زاياً في

{ الصّرَاطَ } [ الفاتحة : 5 ] : { وَمَنْ أَصْدَقُ } [ النساء : 78 ] وبابهما ، وقد تقدم ذلك أيضاً في الفاتحة والنساء . فهذا خَلْطُ حرفٍ بحرف ، كما أنَّ ما قبله خَلْطُ حركة بحركة . ومنها الإِشارةُ إلى الضمة في الوقفِ خاصةً ، وإنما يراه البصير دونَ الأعمى .

وقرأ أبو جعفر بالإِدغامِ الصريح من غير إشمامٍ . وقرأ الحسن ذلك بالإِظهار مبالغةً في بيان إِعراب الفعل وللمحافظة على حركة الإِعراب . اتفق الجمهورُ على الإِخفاء أو الإِشمام كما تقدم تحقيقه .

وقرأ ابن هرمز " لا تَأْمُنَّا " بضم الميم ، نَقَل حركةَ النون الأولى عند إرادةِ إدغامها بعد سَلْب الميمِ حركَتها ، وخطُّ المصحف بنون واحدة ، ففي قراءة الحسن مخالفة لها .

وقرأ أبو رزين وابن وثاب " لا تِيْمَنَّا " بكسر حرف المضارعة ، إلا أنَّ ابنَ وثَّابٍ سَهَّل الهمزةَ . قال الشيخ : " ومجيئُه بعد " مالك " والمعنى يُرْشد إلى أنه نَفْيٌ لا نَهْيٌ وليس كقولهم " ما أَحْسَنَنا " في التعجب ؛ لأنه لو أدغم لالتبسَ بالنفي " . قلت : وما أبعد هذا عن تَوَهُّم النهي حتى يَنُصَّ عليه . وقوله " لالتبس بالنفي " صحيح .