الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأۡمَ۬نَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُۥ لَنَٰصِحُونَ} (11)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: قال إخوة يوسف إذ تآمروا بينهم، وأجمعوا على الفرقة بينه وبين والده يعقوب لوالدهم يعقوب: {يا أبانا ما لَكَ لاَ تأْمَنّا على يوسُفَ}، فتتركه معنا إذا نحن خرجنا خارج المدينة إلى الصحراء، {ونَحْنَ لَهُ ناصحُونَ}: نحوطه، ونكلؤه...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قوله تعالى: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) دل قولهم: (ما لك لا تأمنا على يوسف) على أنهم طلبوا إخراجه من أبيهم غير مرة؛ لأن هذا الكلام لا يتكلم به مبتدأ غير مسابقة شيء من أمثاله، فدل أنهم قد استأذنوه في إخراجه غير مرة (وإنا له لناصحون) الناصح هو الدال على كل خير، والله أعلم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه؟ وما وجد منا في بابه ما يدل على خلاف النصيحة والمقة، وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم. وفيه دليل على أنه أحسّ منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن هذا الكلام يدل على أن يعقوب عليه السلام كان يخافهم على يوسف ولولا ذلك وإلا لما قالوا هذا القول. واعلم أنهم لما أحكموا العزم ذكروا هذا الكلام وأظهروا عند أبيهم أنهم في غاية المحبة ليوسف وفي غاية الشفقة عليه، وكانت عادتهم أن يغيبوا عنه مدة إلى الرعي فسألوه أن يرسله معهم وقد كان عليه السلام يحب تطييب قلب يوسف فاغتر بقولهم وأرسله معهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

فكأنه قيل: إن هذا لحسن من حيث إنه صرفهم عن قتله، فهل استمروا عليه أو قام منهم قائم في استنزالهم عنه بعاطفة الرحم وود القرابة؟ فقيل: بل استمروا لأنهم {قالوا} إعمالاً للحيلة في الوصول إليه، مستفهمين على وجه التعجب لأنه كان أحس منهم الشر، فكان يحذرهم عليه {يا أبانا ما لك} أيّ أي شيء لك في حال كونك {لا تأمنا على يوسف و} الحال {إنا له لناصحون} والنصح دليل الأمانة وسببها، ولهذا قرنا في قوله {ناصح أمين} [الأعراف:68] والأمن: سكون النفس إلى انتفاء الشر، وسببه طول الإمهال في الأمر الذي يجوز قطعه بالمكروه فيقع الاغترار بذلك الإمهال من الجهال، وضده الخوف، وهو انزعاج النفس لما يتوقع من الضر؛ والنصح: إخلاص العمل من فساد يتعمد، وضده الغش، وأجمع القراء على حذف حركة الرفع في تأمن وإدغام نونه بعد إسكانه تبعاً للرسم، بعضهم إدغاماً محضاً وبعضهم مع الإشمام، وبعضهم مع الروم، دلالة على نفي سكون قلبه عليه عليهما الصلاة و السلام بأمنه عليه منهم على أبلغ وجه مع أنهم أهل لأن يسكن إليهم بذلك غاية السكون، ولو ظهرت ضمة الرفع عند أحد من القراء فات هذا الإيماء إلى هذه النكتة البديعة...

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

لما أجمع رأيهم على أن يلقوه في غيابات الجبّ، جاءوا إلى أبيهم وخاطبوه بلفظ الأبوة استعطافاً له، وتحريكاً للحنو الذي جبلت عليه طبائع الآباء للأبناء، وتوسلاً بذلك إلى تمام ما يريدونه من الكيد الذي دبروه، واستفهموه استفهام المنكر لأمر ينبغي أن يكون الواقع على خلافه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فها هم أولاء عند أبيهم، يراودونه في اصطحاب يوسف معهم منذ الغداة. وها هم أولاء يخادعون أباهم، ويمكرون به وبيوسف. فلنشهد ولنستمع لما يدور: (قالوا: يا أبانا، مالك لا تأمنا على يوسف، وإنا له لناصحون. أرسله معنا غدا يرتع ويلعب، وإنا له لحافظون! قال: إني ليحزنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون).. والتعبير يرسم بكلماته وعباراته كل ما بذلوه ليتدسسوا به إلى قلب الوالد المتعلق بولده الصغير الحبيب، الذي يتوسم فيه أن يكون الوارث لبركات أبيه إبراهيم.. (يا أبانا).. بهذا اللفظ الموحي المذكر بما بينه وبينهم من آصرة. مالك لا تأمنا على يوسف؟.. سؤال فيه عتب وفيه استنكار خفي، وفيه استجاشة لنفي مدلوله من أبيهم، والتسليم لهم بعكسه وهو تسليمهم يوسف. فهو كان يستبقي يوسف معه ولا يرسله مع إخوته إلى المراعي والجهات الخلوية التي يرتادونها لأنه يحبه ويخشى عليه ألا يحتمل الجو والجهد الذي يحتملونه وهم كبار، لا لأنه لا يأمنهم عليه. فمبادرتهم له بأنه لا يأتمنهم على أخيهم وهو أبوهم، مقصود بها استجاشته لنفي هذا الخاطر؛ ومن ثم يفقد إصراره على احتجاز يوسف. فهي مبادرة ماكرة منهم خبيثة! مالك لا تأمنا على يوسف؟ وإنا له لناصحون.. قلوبنا له صافية لا يخالطها سوء -وكاد المريب أن يقول خذوني- فذكر النصح هنا وهو الصفاء والإخلاص يشي بما كانوا يحاولون إخفاءه من الدغل المريب...

.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

وبعد أن وافقوا أخاهم الذي خفف من مسألة القتل، ووصل بها إلى مسألة الإلقاء في الجب؛ بدأوا التنفيذ، فقال واحد منهم موجها الكلام لأبيه، وفي حضور كل الإخوة. {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف} وساعة تسمع قول جماعة؛ فاعلم أن واحدا منهم هو الذي قال، وأمن الباقون على كلامه؛ إما سكوتا أو بالإشارة... وهكذا نفهم أن الذي قال: {يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون} تلك الكلمات التي وردت في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، هو واحد من إخوة يوسف، وأمن بقية الإخوة على كلامه. وقولهم: {ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون} يدل أنه كانت هناك محاولات سابقة منهم في ذلك، ولم يوافقهم الأب.

{وإنا له لناصحون} يعني أنهم سوف ينتبهون له، ولن يحدث له ضرر أو شر؛ وسيعطونه كل اهتمام فلا داعي أن يخاف عليه الأب.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

واتفقوا على تنفيذ خطة المؤامرة، وجاءوا إلى أبيهم في أسلوب استعطاف يوحي بالمحبة ليوسف، وينكر على أبيهم شكّه فيهم وعدم ائتمانه لهم عليه، الأمر الذي يظهر عدم سماحه في ما مضى لهم باصطحابه معهم في مشاريع الخروج للبرّ وللبساتين، للهو واللعب، بهدف الترويح عن النفس في الهواء الطلق. {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ}، ونحن إخوته الذين يُكِّنون له كل محبة الأخ لأخيه، ويحبون له ما يحبون لأنفسهم من الراحة والانطلاق، تماماً كما يشعر أحدنا بالنسبة لبقيّة إخوانه، {وإنا له لناصحون} في ما ينصح به الأخ أخاه. إننا لا نجد لموقفك السلبي مراراً سوى الغلوّ في العاطفة الأبوية والتعلُّق به بطريقة تكاد تخنقه وتمنع عنه التحرك في الهواء الطلق، وأنت تشكّ في كل شيء يتحرك من حوله، حتى لنشعر أنك تتهمنا بالعمل على إيذائه والتآمر عليه...