قوله تعالى : { قَالُواْ يَأَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ } الآية .
" تَأمَنَّا " حال وتقدَّم نظيره ، وقرأ العامَّة : تأمنَّا بالإخفاء ، وهو عبارة عن تضعيف الصَّوت بالحركة ، والفصل بين النُّونين ؛ لا لأن النون تسكن رأساً ؛ فيكون ذلك إخفاءً ، لا إدغاماً .
قال الدَّاني : " وهو قول عامَّة أئِمَّتنا ، وهو الصواب ؛ لتأكيد دلالته وصحَّته في القياس " .
وقرأ بعضهم ذلك : بالإشمام وهو عبارة عن ضمِّ الشفتين ، إشارة إلى حركة الفعل مع الإدغام الصَّريح ، كما يشير إليها الواقف ، وفيه عسر كثير ، قالوا : وتكون الإشارة إلى الضمة بعد الإدغام ، أو قبل كماله ، والإشمام يقع بإزاء معانٍ هذا من جملتها .
ومنها : [ إشراب ] الكسرة شيئاً من الضمِّ [ نحو قيل ، { وَغِيضَ } [ هود : 44 ] وبابه ، وقد تقدم في أول سورة البقرة ] .
ومنها إشمام أحد الحرفين شيئاً من الآخر ؛ كإشمام الصاد زاياً في { الصراط } [ الفاتحة : 6 ] ، { وَمَنْ أَصْدَقُ } [ النساء : 87 ، 122 ] وبابهما ، وقد تقدم في الفاتحة ، والنساء ، فهذا خلط حرف بحرف ، كما أن ماقبلهُ خلطُ حركة بحركةٍ .
ومنها : الإشارة إلى الضَّمَّة في الوقف خاصَّة ، وإنما يراه البصير دُون الأعمى ، وقرأ أبو جعفر : الإدغام الصَّريح من غير إشمام ، وقرأ الحسن ذلك : بالإظهار مبالغة في بيان إعراب الفعل . وللمحافظة على حركة الإعراب ، اتَّفق الجمهُور على الإخفاء ، أو الإشمام ، كما تقدَّم تحقيقه .
وقرأ ابن هرمز : " لا تَأمُنَّا " بضم الميم ، نقل حركة النُّون الأولى عند إرادة إداغمها ، بعد سلب الميم حركتها ، وخط المصحف بنون واحدة ، ففي قراءة الحسن مخالفة لها . وقرأ أبو رزين ، وابن وثَّابٍ : " لا تِيْمَنًّا " بكسر حرف المضارعة ، إلا أنَّ ابن وثَّاب سهَّل الهمزة .
قال ابو حيَّانك " ومجيئُه بعد " مَا لَكَ " والمعنى : يرشد إلى أنَّه نفيٌ لا نهي ، وليس كقولهم : " ما أحْسَنًّا " في التعجُّبح لأنه لو أدغم ، لالتبس التَّعجب بالنَّفْي " .
قال شهاب الدِّين : وما أبْعَد هذا عن توهُّم النَّهي ، حتى ينُصَّ عليه بقوله : " لالتبس بالنَّفْي الصحيح " .
هذا الكلام يدلُّ على أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان يخافُهم على يُوسف ، ولولا ذلك ، لما قالوا هذا القول .
واعلم : أنَّهم لما أحكمُوا العزم ، أظهروا عند أبيهم أنَّهم في غاية المحبَّة ليوسُف ، ونهاية الشفقة عليه ، كانت عادتهم أن يغيبُوا عنه مُدَّة إلى الرَّعين فسألوه إرساله معهم ، كان يعقُوب عليه الصلاة والسلام يحب تطيب قلب يوسف ، فاغترَّ بقولهم ، وأرسلهُ معهم حين قالوا له : { وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } والنُّصْح هنا : القيام بالمصلحة .
وقيل : البرُّ والعطف ، أي : عَاطِفُون عليه قَائِمُون بمصلحته ، نحفظه حتَّى نردهُ إليك .
قيل للحسن : أيَحْسُد المُؤمن ؟ قال : ما أنْسَاك ببَنِي يعقوب ، ولهذا قيل : الأب جلاَّبٌ ، والأخ سَلاَّب ، وعند ذلك أجمعوا عل التًَّفريق بينه وبين ولده بضرب من الاحتيال ، وقالوا ليعقوب عليه الصلاة والسلام { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا على يُوسُفَ } .
وقيل : لما تفاوضوا وافترقوا على راي المتكلِّم الثاني ، عادوا إلى يعقوب عليه الصلاة والسلام وقالوا هذا القول ، إذ فيه دليلٌ على أنَّهُم سألوه قبل ذلك أن يخرج معهم يوسف ، فأبى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.