تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (63)

أي : من هو الذي يهديكم حين تكونون في ظلمات البر والبحر ، حيث لا دليل ولا معلم يرى ولا وسيلة إلى النجاة إلا هدايته لكم ، وتيسيره الطريق وجعل ما جعل لكم من الأسباب التي تهتدون بها ، { وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } أي : بين يدي المطر ، فيرسلها فتثير السحاب ثم تؤلفه ثم تجمعه ثم تلقحه ثم تدره ، فيستبشر بذلك العباد قبل نزول المطر . { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } فعل ذلك ؟ أم هو وحده الذي انفرد به ؟ فلم أشركتم معه غيره وعبدتم سواه ؟ { تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } تعاظم وتنزه وتقدس عن شركهم وتسويتهم به غيره .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَمّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلََهٌ مّعَ اللّهِ تَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أم ما تشركون بالله خير ، أم الذي يهديكم في ظلمات البرّ والبحر إذا ضللتم فيهما الطريق ، فأظلمت عليكم السبل فيهما ؟ كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قوله : { أمّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ } والظّلمات في البر ، ضلاله الطريق ، والبحر ، ضلاله طريقه وموجه وما يكون فيه . قوله : { وَمَنْ يُرْسِلُ الرّياحَ نُشْرا بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يقول : والذي يرسل الرياح نشرا لموتان الأرض بين يدي رحمته ، يعني : قدام الغيث الذي يحيى موات الأرض . وقوله : { أءِلَهٌ مَعَ اللّهِ تَعالى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ } يقول تعالى ذكره : أءله مع الله سوى الله يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه ، أو تشركوه في عبادتكم إياه تَعَالى اللّهُ يقول : لله العلوّ والرفعة عن شرككم الذي تشركون به ، وعبادتكم معه ما تعبدون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَمَّن يَهۡدِيكُمۡ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَمَن يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦٓۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ تَعَٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (63)

( بل ) لإضراب الانتقال من نوع دلائل التصرف في أحوال عامة الناس إلى دلائل التصرف في أحوال المسافرين منهم في البر والبحر فإنهم أدرى بهذه الأحوال وأقدر لما في خلالها من النعمة والامتنان .

ذكر الهداية في ظلمات الليل في البرّ والبحر . وإضافة الظلمات إلى البر والبحر على معنى ( في ) . والهُدى في هذه الظلمات بسير النجوم كما قال تعالى { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر } [ الأنعام : 97 ] . فالله الهادي للسير في تلك الظلمات بأن خلق النجوم على نظام صالح للهداية في ذلك ، وبأن ركّب في الناس مدارك للمعرفة بإرصاد سيرها وصعودها وهبوطها ، وهداهم أيضاً بمهاب الرياح ، وخوّلهم معرفة اختلافها بإحساس جفافها ورطوبتها ، وحرارتها وبردها .

وبهذه المناسبة أُدمج الامتنان بفوائد الرياح في إثارة السحاب الذي به المطر وهو المعنيّ برحمة الله . وإرساله الرياح هو خلق أسباب تكونها .

وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو { نُشُرا } بضمتين وبالنون . وقرأه ابن عامر بالنون بضم فسكون . وقرأ عاصم { بُشْراً } بالموحدة وبسكون الشين مع التنوين . وقرأه حمزة والكسائي بفتح النون وسكون الشين . وقد تقدم في سورة الفرقان ( 48 ) { وهو الذي أرسل الرياح نشراً بين يدي رحمته } وتقدم في سورة الأعراف ( 57 ) { وهو الذي يرسل الرياح نشراً بين يدي رحمته } ، وتوجيه هذه القراءات هنالك .

وذُيّل هذا الدليل بتنزيه الله تعالى عن إشراكهم معه آلهة لأن هذا خاتمة الاستدلال عليهم بما لا ينازعون في أنه من تصرف الله فجيء بعده بالتنزيه عن الشرك كله وذلك تصريح بما أشارت إليه التذييلات السابقة .