تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا} (10)

ومع عذاب الدنيا ، فإن الله أعد لهم في الآخرة عذابا شديدًا ، { فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ } أي : يا ذوي العقول ، التي تفهم عن الله آياته وعبره ، وأن الذي أهلك القرون الماضية ، بتكذيبهم ، أن من بعدهم مثلهم ، لا فرق بين الطائفتين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ الّذِينَ آمَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لّيُخْرِجَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً } .

يقول تعالى ذكره : أعدّ الله لهؤلاء القوم الذين عَتَوا عن أمر ربهم ورسله عذابا شديدا ، وذلك عذاب النار الذي أعده لهم في القيامة فاتّقُوا اللّهَ يا أُولي الألباب يقول تعالى ذكره : فخافوا الله ، واحذروا سخطه بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه يا أولي العقول ، كما :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : فاتّقُوا اللّهَ يا أُولي الألبابِ قال : يا أولي العقول .

وقوله : وَالّذِينَ آمَنُوا يقول : الذين صدّقوا الله ورسله .

وقوله : قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالذكر والرسول في هذا الموضع ، فقال بعضهم : الذكر هو القرآن ، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً قال : الذكر : القرآن ، والرسول : محمد صلى الله عليه وسلم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا قال : القرآن روح من الله ، وقرأ : وكَذَلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا إلى آخر الاَية ، وقرأ : قَدْ أنْزَلَ اللّهُ إلَيْكُمْ ذِكْرا رَسُولاً قال : القرآن ، وقرأ : إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بالذّكْرِ لمّا جاءَهُمْ قال : بالقرآن ، وقرأ : إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ قال : القرآن ، قال : وهو الذكر ، وهو الروح .

وقال آخرون : الذكر : هو الرسول .

والصواب من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر ، وذلك نصب لأنه مردود عليه على البيان عنه والترجمة .

فتأويل الكلام إذن : قد أنزل الله إليكم يا أولي الألباب ذِكرا من الله لكم يذكركم به ، وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله ، والعمل بطاعته ، رسولاً يتلو عليكم آيات الله التي أنزلها عليه مُبَيّنات يقول : مبينات لمن سمعها وتدبرها أنها من عند الله .

يقول تعالى ذكره : قد أنزل الله إليكم أيها الناس ذكرا رسولاً ، يتلو عليكم آيات الله مبيّنات ، كي يخرج الذين صدّقوا الله ورسوله وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يقول : وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ يعني من الكفر وهي الظلمات ، إلى النور : يعني إلى الإيمان .

وقوله : وَمَنْ يُؤْمِنْ باللّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحا يقول : ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته يُدْخِلُهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول : يُدخله بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول : ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الأنهار أبدا ، لا يموتون ، ولا يخرجون منها أبدا .

وقوله : قَدْ أحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقا يقول : قد وسع الله له في الجنات رزقا ، يعني بالرزق : ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب ، وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها ، فطيبه لهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا} (10)

أعد الله لهم عذابا شديدا تكرير للوعيد وبيان لما يوجب التقوى المأمور بها في قوله فاتقوا الله يا أولي الألباب ويجوز أن يكون المراد بالحساب استقصاء ذنوبهم وإثباتها في صحف الحفظة وبالعذاب ما أصيبوا به عاجلا الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمۡ عَذَابٗا شَدِيدٗاۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ قَدۡ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكُمۡ ذِكۡرٗا} (10)

وعاقبة الأمر : آخره وأثره . وهو يشمل العاقبة في الدنيا والآخرة كما دل عليه قوله : { أعد الله لهم عذاباً شديداً } .

وشبهت عاقبتهم السّوأى بخسارة التاجر في بيعه في أنهم لما عتوا حسبوا أنهم أرضَوْا أنفسهم بإعْراضهم عن الرسل وانتصروا عليهم فلما لبثوا أن صاروا بمذلة وكما يخسر التاجر في تجره .

وجيء بفعل { كان } بصيغة المضي لأن الحديث عن عاقبتها في الدنيا تغليباً . وفي كل ذلك تفظيع لما لحقهم مبالغة في التحذير مما وقعوا فيه .

وجملة { أعد الله لهم عذاباً شديداً } بدل اشتمال من جملة { وكان عاقبة أمرها خسراً } أو بدلَ بعض من كل .

والمراد عذاب الآخرة لأن الإِعداد التهيئة وإنما يهيَّأ الشيء الذي لم يحصل .

وإن جعلتَ الحساب والعذاب المذكورين آنفاً حساب الآخرة وعذابها كما تقدم آنفاً فجملة { أعد الله لهم عذاباً شديداً } استئنافاً لبيان أن ذلك متزايد غير مخفف منه كقوله : { فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً } [ النبأ : 30 ] .

{ فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين ءامنوا }

هذا التفريع المقصود على التكاليف السابقة وخاصة على قوله : { وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه شَدِيداً فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين } [ الطلاق : 1 ] وهو نتيجة ما مهّد له به من قوله : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله } .

وفي نداء المؤمنين بوصف { أولي الألباب } إيماء إلى أن العقول الراجحة تدعو إلى تقوى الله لأنها كمال نفساني ، ولأن فوائدها حقيقية دائمة ، ولأن بها اجتناب المضار في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون } [ يونس : 62 ، 63 ] ، وقوله : { أولي } معناه ذوي ، وتقدم بيانه عند قوله : { واللائي يئسن من المحيض } [ الطلاق : 4 ] آنفاً و { الذين آمنوا } بدل من { أولي الألباب } . وهذا الاتباع يومىء إلى أن قبولهم الإِيمان عنوان على رجاحة عقولهم . والإتيان بصلة الموصول إشعار بأن الإِيمان سبب للتقوى وجامع لمعظمها ولكن للتقوى درجات هي التي أمروا بأن يحيطوا بها .

{ قد أنزل الله إليكم ذكرا } .

في هذه الجملة معنى العلة للأمر بالتقوى لأن إنزال الكتاب نفع عظيم لهم مستحق شكرهم عليه .

وتأكيد الخبر ب { قد } للاهتمام به وبعث النفوس على تصفح هذا الكتاب ومتابعة إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم .

والذكر : القرآن . وقد سمي بالذكر في آيات كثيرة لأنه يتضمن تذكير الناس بما هم في غفلة عنه من دلائل التوحيد وما يتفرع عنها من حسن السلوك ، ثم تذكيرهم بما تضمنه من التكاليف وبيناه عند قوله تعالى : { وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر } في سورة [ الحجر : 6 ] . وإنزال القرآن تبليغه إلى الرسول بواسطة الملك واستعير له الإِنزال لأن الذكر مشبه بالشيء المرفوع في السماوات ، كما تقدم في سورة الحجر وفي آيات كثيرة .

وجعل إنزال الذكر إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا به وعملوا بما فيه فخصصوا هنا من بين جميع الأمم لأن القرآن أنزل إلى الناس كلهم .

وقوله : { رسولاً } بدل من { ذكراً } بدل اشتمال لأن بين القرآن والرسول محمد صلى الله عليه وسلم ملازمةً وملابسةً فإن الرسالة تحققت له عند نزول القرآن عليه ، فقد أُعمل فعل { أنزل } في { رسولاً } تبعاً لإِعماله في المبدل منه باعتبار هذه المقارنة واشتمال مفهوم أحد الاسمين على مفهوم الآخر . وهذا كما أبدل { رسول من الله } [ البينة : 2 ] من قوله : { حتى تأتيهم البينة } في سورة البينة ( 1 ) .

والرسول : هو محمد .

وأما تفسير الذكر بجبريل ، وهو مروي عن الكلبي لتصحيح إبدال رسولاً } منه ففيه تكلفات لا داعي إليها فإنه لا محيص عن اعتبار بدل الاشتمال ، ولا يستقيم وصف جبريل بأنه يتلو على الناس الآيات فإن معنى التلاوة بعيد من ذلك ، وكذلك تفسير الذكر بجبريل .