تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (78)

ثم قال تعالى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي : طردوا وأبعدوا عن رحمة الله { عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } أي : بشهادتهما وإقرارهما ، بأن الحجة قد قامت عليهم ، وعاندوها . { ذَلِكَ } الكفر واللعن { بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } أي : بعصيانهم لله ، وظلمهم لعباد الله ، صار سببا لكفرهم وبعدهم عن رحمة الله ، فإن للذنوب والظلم عقوبات .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } . .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحقّ ، وة تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله داود وعيسى ابن مريم . وكان لعن الله إياهم على ألسنتهم ، كالذي :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال : لعنوا بكلّ لسان ، لعنوا على عهد موسى في التوراة ، ولعنوا على عهد داود في الزبور ، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلى لِسَان دَاوُدَ وَعيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يقول : لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم ، ولعنوا في الزبور على لسان داود .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال : خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن حصين ، عن مجاهد : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بكلّ لسان لعنوا على عهد موسى في التوراة ، وعلى عهد داود في الزبور ، وعلى عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن .

قال ابن جريج ، وقال آخرون : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ على عهده ، فلعنوا بدعوته . قال : مرّ داود على نفر منهم وهم في بيت ، فقال من في البيت ؟ قالوا : خنازير ، قال : اللهمّ اجعلهم خنازير فكانوا خنازير ثم أصابتهم لعنته . ودعا عليهم عيسى فقال : اللهمّ العن من افترى عليّ وعلى أمي ، واجعلهم قردة خاسئين

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ . . . الاَية ، لعنهم الله على لسان داود في زمانه فجعلهم قردة خاسئين ، وفي الإنجيل على لسان عيسى فجعلهم خنازير .

حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : حدثنا أو محصن حصين بن نمير ، عن حصين ، يعني ابن عبد الرحمن ، عن أبي مالك ، قال : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ قال : مسخوا على لسان داود قردة ، وعلى لسان عيسى خنازير .

حدثني يعقوب ، قال ، حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرّة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الرّجُلَ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ كانَ إذَا رأس أخاهُ على الذّنْبِ نَهاهُ عَنْهُ تَعْذيرا ، فإذَا كانَ مِنَ الغَدِ لَمْ يَمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَخَلِيطَهُ وشَرِيبَه . فَلَمّا رأى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ ، وَلَعَنَهُمْ على لِسانِ نَبِيّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ » . ثم قال : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأمُرُنّ بالمَعْرُوفِ ، ولَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ ، ولَتَأْخُذُنّ على يَدَيِ المُسِيء ، ولتأطرُنّه على الحقّ أَطْرا لَيَضْرِبَنّ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ على بَعْضٍ ، ولَيَلْعَنَنّكُمْ كمَا لَعَنَهُمْ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن عليّ بن بذيمة ، عن أبي عبية ، عن عبد الله ، قال : لما فشا المنكر في بني إسرائيل ، جعل الرجل يلقي الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه . فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم أنزل فيهم كتابا : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُون كانُوا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فجلس وقال : «كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حتى تأْطِرُوا الظّالِمَ على الحَقّ أطْرا » .

حدثنا عليّ بن سهل الرملي ، قال : حدثنا المومل بن إسماعيل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عليّ بن بذيمة عن أبي عبيدة أظنه عن مسروق عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمّا ظَهَرَ مِنْهُمُ المُنْكَرُ جَعَلَ الرّجُلُ يَرَى أخاه وَجارَهُ وَصَاحِبَهُ على المُنْكَرِ فَيَنْهاهُ ، ثُمّ لا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ ونَدِيمَهُ ، فَضَرَبَ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ على بَعْضٍ ، وَلُعِنُوا على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مِرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ . . . إلى ( فاسِقُونَ ) » . قال عبد الله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فاستوى جالسا ، فغضب وقال : «لا وَاللّهِ حتى تأْخُذُوا على يَدَيِ الظّالِمِ فَتَأْطِرُوهُ على الحَقّ أطْرا » .

حدثنا ابن بشار ، قال حدثنا ابن مهدي ، قال : حدثنا سفيان عن عليّ بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ بَنِي إسْرائِيلَ لَمّا وَقَعَ فِيهِم النّقْصُ كانَ الرّجُلُ يَرَى أخاهُ على الرّيْبِ فَيَنْهاهُ عَنْهُ ، فإذَا كانَ الغَدُ لَمْ يَمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُ فَضَرَبَ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ، ونزل فيهم القرآن ، فقال : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حتى بلغ : وَلَكِنّ كَثيرا مِنْهُمْ فاسِقُونَ » . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فجلس وقال : «لا حتى تَأْخُذُوا يَدَيِ الظّالِمِ فَتَأْطِرُوه على الحَقّ أطْرا » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : أملاه عليّ ، قال : حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن عليّ بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله .

حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عليّ بن بذيمة ، قال : سمعت أبا عبيدة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه . غير أنهما قالا في حديثهما : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فاستوى جالسا ثم قال : «كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حتى تَأْخُذُوا على يَدَيِ الظّالِمِ ، فَتأطِرُوه على الحَقّ أطْرا » .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قال : فقال : لعنوا في الإنجيل وفي الزبور . وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ رَحَى الإيمَانِ قَدْ دَارَتْ ، فَدُورُوا مَعَ القُرآنِ حَيْثُ دَارَ ، فإنّهُ قَدْ فَرَغَ اللّهُ مِمّا افْتَرَضَ فِيهِ . وإنّهُ كانَتْ أُمّةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ كانُوا أهْلَ عَدْلٍ ، يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ، فأخَذَهُمْ قَوْمُهُمْ فَنَشَرُوهِمْ بالمَناشِيرِ ، وَصَلَبُوهُمْ على الخَشَبِ ، وَبَقِيَتْ مِنْهُمْ بَقِيّةٌ ، فَلَمْ يَرْضَوْا حتى دَاخَلُوا الُملُوكَ وَجالَسُوهُمْ ، ثُمّ لَمْ يَرْضَوْا حتى وَاكَلُوهُمْ ، فَضَرَبَ اللّهُ تِلْكَ القُلُوبَ بَعْضَها بِبَعْضٍ فَجَعَلَها وَاحِدَةً » ، فذلك قول الله تعالى : لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ على لِسانِ دَاوُدَ . . . إلى ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ ماذا كانت معصيتهم ؟ قال : «كَانُوا لايَتَنَاهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ » .

فتأويل الكلام إذن : لعن لله الذين كفروا من اليهود بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ولعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، بما عصوا الله فخالفوا أمره وكانوا يعتدون ، يقول : وكانوا يتجاوزون حدوده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ} (78)

{ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم } أي لعنهم الله في الزبور والإنجيل على لسانهما . وقيل إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت لعنهم الله تعالى على لسان داود فمسخهم الله تعالى قردة ، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى عليه السلام ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل . { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } أي ذلك اللعن الشنيع المقتضي للمسخ بسبب عصيانهم واعتدائهم ما حرم عليهم .