وقوله - تعالى - : { الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ } بيان لنعمة رابعة من نعمه - تعالى - التى لا تحصى .
والحسبان : مصدر زيدت فيه الألف والنون ، والمراد بحساب دقيق ، وتقدير حكيم ، والجار والمجرور متعلق بمحذوف . . . أى : الشمس والقمر يجريان فى هذا الكون ، بحساب دقيق فى بروجهما ومنازلهما ، بحيث لا يشوب جريهما اختلال أو اضطراب ، وبذلك يعرف الناس السنين والشهور والأيام ، ويعرفون أشهر الحج والصوم ، وغير ذلك من شئون الحياة .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ الليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }
جملة هي خبر رابع عن الرحمن وإلاّ كان ذِكره هنا بدون مناسبة فينقلب اعتراضاً . ورابط الجملة بالمبتدأ تقديره : بحسبانه ، أي حسبان الرحمن وضبطه .
وهذا استدلال على التفرد بخلق كوكب الشمس وكرة القمر وامتنان بما أودع فيهما من منافع للناس ، ونظام سيرهما الذي به تدقيق نظام معاملات الناس واستعدادهم لما يحتاجون إليه عند تغيرات أجْوَائِهم وأرزاقهم . ويتضمن الامتنان بما في ذلك من منافعهم . وفي كون هذا الخبر جارياً على أسلوب التعديد ما قد علمت آنفاً من التبكيت ، ووجهه أنهم غفلوا عما في نظام الشمس والقمر من الحكمة وما يَدل عليه ذلك النظام من تفرد الله بتقديره ، فاشتغل بعضهم بعبادة الشمس وبعضهم بعبادة القمر كما قال تعالى : { ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون } [ فصلت : 37 ] .
وجيء بهذه الجملة اسمية للتهويل بالابتداء باسم الشمس والقمر ، وللدلالة على أن حسبانهما ثابت لا يتغير منذ بدء الخلق مؤذن بحكمة الخالق . واستغني بجعل اسم الشمس والقمر مسنداً إليهما عن تفكيك المسند إلى مسندين : أحدهما : يدل على الاستدلال ، والآخر يدل على الامتنان ، كما وقع في قوله : { خلق الإنسان علمه البيان } [ الرحمن : 3 ، 4 ] .
والحُسبان : مصدر حسَب بمعنى عد مثل الغفران .
والباء للملابسة وهي ظرف مستقر هو خبر عن الشمس والقمر ، والتقدير : كائنان بحسبان ، أي بملابسة حسبان ، أي لحساب الناس مواقع سيرهما .
وإسناد هذه الملابسة إلى الشمس والقمر مجازي عقلي لأن الشمس والقمر سبب لتلبس الناس بحسابهما كما تقول : أنتَ بعنايةٍ مني ، جعلت عنايتك ملابسة للمخاطب ملابسةً اعتبارية ، وقوله تعالى : { فإنك بأعيننا } [ الطور : 48 ] ، وقد تقدم في قوله تعالى : { والشمس والقمر حسباناً } في سورة الأنعام ( 96 ) . والحُسبان كناية عن انتظام سيرهما انتظاماً مطرداً لا يختل حساب الناس له والتوقيت به .
واقتصر على ذكر الشمس والقمر دون بقية الكواكب وإن كان فيها حسبان الأنواء ، والحَرّ والبرد ، مثللِ الجوزاء ، والشِعرى ، ومنزلة الأسد ، والثريا ، لأن هذين الكوكبين هما الباديان لجميع الناس لا يحتاج تعقل أحوالهما إلى تعليم توقيت مثل الكواكب الأخرى .
ولأن السورة هذه بنيت على ذكر الأمور المزدوجة والشمس والقمر مزدوجان في معارف عموم الناس فالشمس : كوكب سماوي لأنه أعلى من الأرض والأرض تدور حوله وداخلة في النظام الشمسي . والقمر : كوكب أرضي لأنه دون الأرض وتابع لها كبقية أقمار الكواكب فذكر الشمس والقمر كذكر السماء ، والأرض ، والمشرق ، والمغرب ، والبحرين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.