قوله : { والشمس والقمر بحسبان } فيه ثلاثة أوجه{[54263]} :
أحدها : أن الشمس مبتدأ ، و«بِحُسْبَان » خبره على حذف مضاف ، تقديره : جري الشمس والقمر بحسبان ، أي كائن ، أو مستقر ، أو استقر بحُسْبَان .
الثاني : أن الخبر محذوف يتعلق به هذا الجار ، تقديره : يجريان بحُسْبَان .
وعلى هذين القولين ، فيجوز في الحسبان وجهان :
أحدهما : أنه مصدر مفرد بمعنى «الحُسْبان » ، فيكون ك «الشُّكْران » و«الكُفْران » .
والثاني : أنه جمع حساب ، ك «شهاب » و«شُهْبَان » .
والثالث : أن «بحسبان » خبره ، و«الباء » ظرفية بمعنى «في » أي : كائنان في حسبان .
وحسبان على هذا اسم مفرد ، اسم للفلك المستدير ، مشبهة بحسبان الرَّحَى الذي باستدارته تدور الرّحى .
لما ذكر خلق الإنسان وإنعامه عليه لتعليمه البيان ، ذكر نعمتين عظيمتين ، وهما : الشمس والقمر ، وأنهما على قانون واحد وحسابٍ{[54264]} لا يتغيران ، وبذلك تتم منفعتهما للزراعات وغيرها ، ولولا الشمس لما زالت الظلمة ، ولولا القمر لفات كثير من المنافع الظاهرة ، بخلاف غيرهما من الكواكب ، فإن نعمها لا تظهر لكل أحد مثل ظهور نعمتهما ، وأنهما بحساب لا يتغير أبداً ، ولو كان مسيرهما غير معلوم للخلق لما انتفعوا بالزِّراعات في أوقاتها ، ومعرفة فصول السَّنة .
ثم لما ذكر النعم السماوية وذكر في مقابلتها أيضاً نعمتين ظاهرتين من الأرض ، وهما : النبات الذي لا ساق له ، وما له ساق ؛ لأن النبات أصل الرزق من الحبوب والثمار ، والحشيش للحيوان .
وقيل : إنما ذكر هاتين النعمتين بعد تعليم القرآن إشارة إلى أن من الناس من لا تكون نفسه زكيّة ، فيكتفي بأدلة القرآن ، فذكر له آيات الآفاق ، وخص الشمس والقمر ؛ لأن حركتهما بحسبان تدل على الفاعل المختار .
ولو اجتمع العالم ليبيّنوا سبب حركتهما على هذا التقدير المعين لعجزوا ، وقالوا : إن الله حركهما بالإرادة كما أراد .
وقيل : لما ذكر معجزة القرآن بإنزاله أنكروا نزول الجرم من السماء وصعوده إليها ، فأشار تعالى بحركتهما إلى أنها ليست بالطبيعة .
وهم يقولون بأن الحركة الدّورية من أنواع الحركات لا يكون إلا اختيارياً ، فقال تعالى : من حرّكهما على الاستدارة أنزل الملائكة على الاستقامة ، والثقيل على مذهبكم لا يصعد ، وصعود النَّجم والشجر إنما هو بقدرة الله تعالى ، فحركة الملك كحركة الفلك جائزة .
قال المفسرون : [ المعنى ]{[54265]} يجريان بحسبان معلوم فأضمر الخبر .
قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : يجريان بحساب في منازل لا تعدوها ولا يحيدان{[54266]} عنها .
وقال ابن زيد وابن كيسان : بهما تحسب الأوقات والأعمار ، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يجد شيئاً إذا كان الدهر كله ليلاً أو نهاراً{[54267]} .
وقال السدي : «بحسبان » تقدير آجالهما{[54268]} ، أي : يجريان بآجال كآجال الناس ، فإذا جاء أجلهما هلكا ، نظيره : { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } [ الرعد : 2 ] .
وقال الضحاك : بقدر{[54269]} .
وقال مجاهد : «بحسبان »{[54270]} كحُسْبَان الرَّحى يعني : قطعها ، يدوران في مثل القُطْب .
والحُسْبَان : قد يكون مصدر «حسبته أحسبُه بالضم حَسْباً وحِسَاباً وحُسْبَاناً » مثل الغُفْرَان والكُفْران والرُّجحان .
وقال الأخفش : ويكون جماعة الحساب ، مثل «شِهَاب ، وشُهْبَان »{[54271]} .
والحُسْبَان - بالضم - أيضاً : العذاب والسِّهام القصار ، الواحدة : حُسْبَانة{[54272]} .
والحُسْبانة أيضاً : الوِسادَة الصغيرة تقول منه : «حَسَّبْتُهُ » إذا وسدته{[54273]} . قال : [ مجزوء الكامل ]
. . . . . . . . . . . . . . . . *** لَثَوَيْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ{[54274]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.