نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ} (5)

ولما بين سبحانه النعمة في تعليم القرآن الذي هو حياة الأرواح ، وبين الطريق فيها ، دل على البيان بذكر البينات التي يجمعها أمر ويفرقها آخر ، ولها مدخل في حياة الأشباح ، وعددها{[61797]} على سبيل الامتنان بياناً لأنها من أكبر النعم فقال في جواب من قال : ما بيانه ؟ بادئاً بالكوكب الأعظم الذي هو أعظم نوراً وأكبر جرماً وأعم نفعاً ليكون خضوعه لقبول الآثار أدل على خضوع غيره بياناً لحكمته في تدبيره وقوته في تقديره : { الشمس } وهي آية النهار { والقمر } وهو آية الليل اللذان{[61798]} كان بهما البيان الإبراهيمي ، ولعله بدأ لهذه الأمة بغاية بيانه عليه الصلاة والسلام تشريفاً لها بالإشارة إلى علو أفهامها { بحسبان * } أي جريهما ، يجري كل منهما - مع اشتراكهما في أنهما كوكبان سماويان{[61799]} - بحساب عظيم جداً لا تكاد توصف جلالته في دقته وكثرة سعته وعظم ما يتفرع عليه من{[61800]} المنافع الدينية والدنيوية ، ومن عظم{[61801]} هذا الحساب الذي أفادته صيغة الفعلان أنه على نهج واحد لا يتعداه ، تعلم به الأعوام والشهور والأيام والساعات والدقائق والفصول في منازل معلومة ، ويعرف موضع كل منهما في الآفاق العلوية وما يحدث له وما يتأثر عنه في الكوائن السفلية بحيث أن به انتظام غالب الأمور السفلية إلى غير ذلك من الأمور التي خلقهما{[61802]} الله عليها ولها ، وبين الإنسان وبين كل منهما من المسافات ما لا يعلمه على التحرير إلا العليم الخبير ، وهذا على تطاول الأيام والدهور لا يختل ذرة دلالة على أن صانعه قيوم لا يغفل ، ثم بعد هذا الحساب المستجد والحساب الأعظم الذي قدر لتكوير الشمس وانكدار القمر دلالة على أنه فاعل بالاختيار مع ما أفاد ذلك من تعاقب الملوين تارة بالاعتدال وتارة بالزيادة وأخرى بالنقص ، وغير ذلك من الأمور في لطائف المقدور .


[61797]:- من ظ، وفي الأصل: عدد.
[61798]:- من ظ، وفي الأصل: اللذين.
[61799]:- من ظ، وفي الأصل: نعمايان.
[61800]:- من ظ: وفي الأصل: ممن.
[61801]:- في ظ: عظمة.
[61802]:- من ظ، وفي الأصل: خلقها.