ثم ذكر تعالى أن له عبادا مستديمين لعبادته ، ملازمين لخدمته وهم الملائكة ، فلتعلموا أن اللّه لا يريد أن يتكثر بعبادتكم من قلة ، ولا ليتعزز بها من ذلة ، وإنما يريد نفع أنفسكم ، وأن تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما عملتم ، فقال : إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ من الملائكة المقربين ، وحملة العرش والكروبيين .
لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ بل يذعنون لها وينقادون لأوامر ربهم وَيُسَبِّحُونَهُ الليل والنهار لا يفترون .
وَلَهُ وحده لا شريك له يَسْجُدُونَ فليقتد العباد بهؤلاء الملائكة الكرام ، وليداوموا [ على ] عبادة الملك العلام .
وللّه الحمد والشكر والثناء . وصلى اللّه على محمد وآله وصحبه وسلم .
ثم ذكر - سبحانه - ما يقوى دواعى الذكر ، وينهض بالهمم إليه ، بمدحه للملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون فقال : { إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ } وهم ملائكة الملأ الأعلى .
والمراد بالعندية القرب من الله - تعالى - بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزهه - سبحانه - عن ذلك .
{ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } بل يؤدونها حسبما أمروا به بخضوع وطاعة .
{ وَيُسَبِّحُونَهُ } أى : ينزهونه عن كل مالا يليق بجلاله على ابلغ وجه .
{ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } أى : يخصونه وحده بغاية العبودية والتذلل والخضوع ، ولا يشركون معه أحداً في عبادة من عباداتهم .
أما بعد : فهذه هى سورة الأعراف التي سبحت بنا سبحاً طويلا وهى تحدثنا عن أدلة وحدانية الله ، وعن هداية القرآن الكريم ، وعن مظاهر نعم الله على خلقه ، وعن اليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب ، وعن بعض الأنبياء وما جرى لهم مع أقوامهم ، وكيف كانت عاقبة هؤلاء الأقوام ، وعن سنن الله - تعالى - في إسعاد الأمم وإشقائها ، وغير ذلك من أصول التشريع وآداب الاجتماع ، وشئون البشر .
وقد استعملت السورة في أوامرها ونواهيها وتوجيهاتها أساليب التذكير بالنعم ، والتخويف من النقم ، وإيراد الحجج المقنعة ، ودفع الشبهات الفاسدة .
وهذا تفسير لها تناولنا فيه بالشرح والتحليل ما اشتملت عليه من توجيهات سامية ، وآداب عالية ، ومقاصد جليلة ، وحجج باهرة ، ومواعظ مؤثرة .
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعا لنا يوم الدين .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
{ إن الذين عند ربك } يعني ملائكة الملأ الأعلى . { لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه } وينزهونه . { وله يسجدون } ويخصونه بالعبادة والتذلل لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين ولذلك شرع السجود لقراءته . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول : يا ويله أمر هذا بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار " .
وقوله { الذين } يريد الملائكة ، وقوله { عند } إنما يريد في المنزلة والتشريف والقرب في المكانة لا في المكان ، فهم بذلك عنده ، ثم وصف تعالى حالهم من تواضعهم وإدمانهم للعبادة والتسبيح والسجود ، وفي الحديث : «أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد » وهذا موضع سجدة ، قال النخعي في كتاب النقاش : إن شئت ركعت وإن شئت سجدت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.