تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

{ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ }

وهذه الآية المقصود منها التسلية عما يحصل للذين كفروا من متاع الدنيا ، وتنعمهم فيها ، وتقلبهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات ، وأنواع العز ، والغلبة في بعض الأوقات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

وبعد أن بشر - سبحانه - عباده المؤمنين الصادقين بهذا الثواب الحسن ، نهاهم عن الاغترار بما عليه الكافرون من قوة وسطوة ومتاع دنيوى فقال - تعالى - { لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ فِي البلاد مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المهاد } .

يغرنك : من الغرور وهو الاطماع فى أمر محبوب على نية عدم وقوعه ، أو إظهار الأمر المضر فى صورة الأمر النافع ، وهو مشتق من الغرة بكسر الغين - وهى الغفلة - ويقال : رجل غر إذا كان ينخدع لمن خادعه .

والتقلب فى البلاد : التصرف فيها على جهة السيطرة والغلبة ونفوذ الإرادة .

والمتاع : الشىء الذى يتمتع الإنسان به لمدة معينة ، والمعنى : لا يصح أن يخدع أحد بما عليه الكافرون من تقلب فى البلاد ومن تصرفهم فيها تصرف الحاكم المسيطر عليها ، المستغل لثرواتها وخيراتها ، فإن تصرفهم هذا لن يستمر طويلا ، بل سيبقى مدة قليلة يتمتعون فيها بما بين أيديهم ثم يزول عنهم كل شىء وسوف يعودون إلى خالقهم فيعذبهم العذاب الأكبر على ظلمهم وبغيهم وكفرهم .

والخطاب فى قوله { لاَ يَغُرَّنَّكَ } للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى له الخطاب ، وهو نهى للمؤمنين عن أن يغتروا بما عليه الكافرون من جاه ونفوذ وسلطان وغنى .

وليس من مقتضى النهى أن يكون قد وقع النهى عنه فإن الإنسان قد ينهى عن شىء لم يقع منه لتحذيره من الوقوع فيه فى الحال أو المآل .

ولذا روى عن قتادة أنه قال : " والله ما غروا نبى الله حتى قبضه الله إليه " .

ولقد قال صاحب الكشاف فى الجواب على أن النهى موجه إلى النبى صلى الله عليه وسلم فإن قلت : كيف جاز أن يغتر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حتى ينهى عن الاغترار به ؟ قلت : فيه وجهان :

أحدهما : أن عظيم القوم ومتقدمهم يخاطب بشىء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا فكأنه قيل : لا يغرنكم .

والثانى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غير مغرور بحالهم فأكد ما كان عليه وثبت ما كان على التزامه كقوله { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ} (196)

{ لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد } والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته ، أو تثبيته على ما كان عليه كقوله { فلا تطع المكذبين } أو لكل أحد ، والنهي في المعنى للمخاطب وإنما جعل للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب للمبالغة ، والمعنى لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة والحظ ، ولا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم ومتاجرهم ومزارعهم . روي ( أن بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون : إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد ) فنزلت .