{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
يخبر تعالى أن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا ، أي : لا تدفع عنهم شيئا من عذاب الله ، ولا تجدي عليهم شيئا من ثواب الله ، كما قال تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا } بل تكون أموالهم وأولادهم زادا لهم إلى النار ، وحجة عليهم في زيادة نعم الله عليهم ، تقتضي منهم شكرها ، ويعاقبون على عدم القيام بها وعلى كفرها ، ولهذا قال : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
بعد الحديث المؤثر عن أحوال المؤمنين من أهل الكتاب وبيان ما أعده الله لهم من نعيم ، أتبعه بالحديث عن الكافرين وعن سوء عاقبتهم وعن أهم الأسباب التى أدت إلى كفرهم وفسوقهم فقال - تعالى - : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ . . . } .
المراد بالذين كفروا فى قوله : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } جميع الكفار ، لأن اللفظ عام ، ولا دليل يقتضى تخصيصه بفريق من الكافرين دون فريق . والمراد من الإغناء فى قوله : { لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئاً } الدفع وسد الحاجة يقال : أغنى فلان فلانا عن هذا الأمر ، إذا كفاه مؤنته ، ورفع عنه ما أثقله منه .
أى : إن الذين كفروا بما يجب الإيمان به ، واغتروا بأموالهم وأولادهم فى الدنيا ، لن تدفع عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئاً - ولو يسيرا - من عذاب الله الذى سيحيق بهم يوم القيامة بسبب كفرهم وجحودهم .
وقد أكد - سبحانه - عدم إغناء أموالهم ولا أولادهم عنهم شيئاً - فى وقت هم فى أشد الحاجة إلى من يعينهم ويدفع عنهم - بحرف " لن " المفيد لتأكيد النفى وخص الأموال والأولاد بالذكر ، لأن الكفار كانوا أكثر ما يكونون اغتراراً بالأموال والأولاد ، وقد حكى القرآن غرورهم هذا بأموالهم وأولادهم فى كثير من الآيات ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } ولأن من المتعارف عليه بين الناس أن الإنسان يلجأ إلى ماله وولده عند الشدائد ، إذ المال يدفع به الإنسان عن نفسه فى الفداء وما يشبهه من المغارم ، والأولاد يدافعون عن أبيهم لنصرته ممن يعتدى عليه .
وكرر حرف النفى مع المعطوف فى قوله : { وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ } ، لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم ، ولدفع توهم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذب عن آبائهم .
فالمقصود من الجملة الكريمة نفى الانتفاع بالأموال والأولاد فى حالة اجتماعهما ، وفى حالة انفراد أحدهما عن الآخر ، لأن المال قد يكون أكثر نفعا فى مواضع خاصة ، والأولاد قد يكونون أكثر نفعا من المال فى مواطن أخرى ، فبتكرار النفى تأكد عدم انتفاع الكفار بهذين النوعين فى أية حال من الأحوال .
فإن قيل : لقد نص القرآن على أن الكفار لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم يوم القيامة ، مع أن المؤمنين كذلك لا تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم فلماذا خص الكافرين بالذكر ؟ .
فالجواب أن الكافرين هم الذين اغتروا بأموالهم وأولادهم ، وهم الذين اعتقدوا أنهم سينجون من العقاب بسبب ذلك ، أما المؤمنون فإنهم فم يعتقدوا هذا الاعتقاد ، ولم يغتروا بما منحهم الله من نعم ، وإنما اعتقدوا أن الأموال والألواد فتنة ، ولم يعتمدوا فى نجاتهم من عقاب الله يوم القيامة إلى على فضله ورحمته ، وعلى إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح .
و { مِّنَ } فى قوله : { مِّنَ الله } ابتدائية ، والجار والمجرور متعلق بتغنى .
وقوله : { شَيْئاً } منصوب على أنه مفعلو مطلق أى : لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا من الاغناء والدفع .
وقوله : { وأولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تذيل قصد به بيان سوء عاقبتهم ، وما أعد لهم من عذاب شديد .
أى وأولئك الكافرون المغترون بأموالهم وأولادهم ، هم أصحاب النار الذين سيلازمونها ويصلون سعيرها ، ولن يصرفهم من عذاب الله أى ناصر من أموال أو أولاد أو غيرهما .
وقد أكد - سبحانه - هذا الحكم العادل بعدة مؤكدات منها : التعبير باسم الإشارة المتضمن السلب من كل قوة كانوا يعتزون بها ، ومنها : ذكر مصاحبتهم للنار وخلودهم فيها أى ملازمتهم لها ملازمة أبدية ، ومنها : ما اشتملت عليه الجملة الكريمة من معنى القصر أى أولئك أصحاب النار الذين يلازمونها ولا يخرجون منها إلى غيرها بل هم خالدون فيها .
استئناف ابتدائي للانتقال إلى ذكر وعيد المشركين بمناسبة ذكر وعد الذين آمنوا من أهل الكتاب .
وإنَّما عطف الأولاد هنا لأن الغَناء في متعارف النَّاس يكون بالمال والولد ، فالمال يدفع به المرءُ عن نفسه في فداء أو نحوه ، والولد يدافعون عن أبيهم بالنصر ، وقد تقدّم القول في مثله في طالعة هذه السورة .
وكرّر حرف النَّفي مع المعطوف في قوله { ولا أولادهم } لتأكيد عدم غناء أولادهم عنهم لدفع توّهم ما هو متعارف من أن الأولاد لا يقعدون عن الذبّ عن آبائهم .
ويتعلق { من الله } بفعل { لن تغني } على معنى ( من ) الابتدائية أي غناء يصدر من جانب الله بالعفو عن كفرهم .
وانتصب ( شيئاً ) على المفعول المطلق لفعل { لن تغني } أي شيئاً من غٍناء . وتنكير شيئاً للتقليل .
وجملة { وأولئك أصحاب النار } عطف على جملة { لن تغني عنه أموالهم ولا أولادهم } . وجيء بالجملة معطوفة ، على خلاف الغالب في أمثالها أن يكون بدون عطف ، لقصد أن تكون الجملة منصبّاً عليها التَّأكيد بحرف ( إنّ ) فيكمل لها من أدلَّة تحقيق مضمونها خمسة أدلة هي : التَّكيد ب { إن } ، وموقع اسم الإشارة ، والإخبار عنهم بأنَّهم أصحاب النَّار ، وضمير الفصل ، ووصف خالدون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.