ثم أضاف نوح - عليه السلام - إلى تهديدهم تهديدا آخر فقال : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } .
أى : فسوف تعلمون عما قريب ، من منا الذى سينزل عليه العذاب المخزى المهين فى الدنيا ، ومن منا الذى سيحل عليه العذاب الدائم الخالد فى الآخرة .
وبهذا نرى أن هذه الآيات الكريمة قد قررت حكم الله الفاضل فى شأن قوم نوح - عليه السلام - بعد أن لبث فيهم زمنا طويلا يدعوهم إلى الحق ، ولكنهم صموا آذانهم عنه فماذا كان من أمره وأمرهم بعد ذلك .
وقوله : { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ } أي : يَطْنزون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق ، { قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } وعيد شديد ، وتهديد أكيد ، { مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } أي : يهنه في الدنيا ، { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } أي : دائم مستمر أبدا .
ثم جاء قوله : { فسوف تعلمون } تهديداً ، والسخر : الاستجهال مع استهزاء ، ومصدره : سُخرى بضم السين ، والمصدر من السخرة والتسخر سِخري بكسرها{[6333]} .
و «العذاب المخزي » هو الغرق ، و «المقيم » هو عذاب الآخرة ، وحكى الزهراوي أنه يقرأ «ويحُل » بضم الحاء ، ويقرأ «ويحِل » بكسرها ، بمعنى ويجب . و { من } في موضع نصب ب { تعلمون } . وجاز أن يكون { تعلمون } بمثابة تعرفون في التعدي إلى مفعول واحد ، وجائز أن تكون التعدية إلى مفعولين واقتصر على الواحد{[6334]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فسوف تعلمون} هذا وعيد {من يأتيه عذاب يخزيه}، يعني يذله، يعني الغرق، {ويحل عليه}، ويجب عليه {عذاب مقيم}، يعني في الآخرة دائما لا يزول عن أهله...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
... يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل نوح لقومه:"فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" أيها القوم إذا جاء أمر الله، من الهالك "مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ "يقول: الذي يأتيه عذاب الله منا ومنكم يهينه ويذله، "ويحلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ" يقول: وينزل به في الآخرة مع ذلك عذاب دائم لا انقطاع له، مقيم عليه أبدا.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... والخزي: العيب الذي تظهر فضيحته والعار به، ومنه الذل والهوان. وقوله:"ويحل عليه" معناه ينزل عليه. وقال الرماني: الحلول: النزول للمقام وهو من الحل خلاف الارتحال...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
أي: فسوف تعلمون من أخسر عاقبة...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
...فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه، ويعني به إياهم، ويريد بالعذاب: عذاب الدنيا وهو الغرق، {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} حلول الدين والحق اللازم الذي لا انفكاك له عنه، {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} وهو عذاب الآخرة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
...وحكى الزهراوي أنه يقرأ «ويحُل» بضم الحاء، ويقرأ «ويحِل» بكسرها، بمعنى: ويجب...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فسوف تعلمون} أي بوعد لا خلف فيه...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{فسوف تعلمون} بعد تمامه {من يأتيه عذاب يخزيه} أي يذله ويجلب له العار والتبار في الدنيا {ويحل عليه عذاب مقيم} بعد ذلك في الآخرة فيكون عذاب الدنيا هينا بالإضافة إليه لانقضاء هذا وزواله بهلاككم، وبقاء ذاك ودوامه بدوامكم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
يجوز أن تجعل كاف التشبيه مفيدة معنى التعليل كالتي في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198] فيفيد التفاوت بين السخريتين، لأن السخرية المعللة أحق من الأخرى، فالكفار سخروا من نوح عليه السلام لعمل يجهلون غايته، ونوح عليه السّلام وأتباعه سخروا من الكفار لعلمهم بأنهم جاهلون في غرور، كما دل عليه قوله: {فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه} فهو تفريع على جملة {فإنّا نسخر منكم} أي سيظهر مَن هو الأحق بأن يسخر منه. وفي إسناد (العلم) إلى ضمير المخاطبين دون الضمير المشارك بأن يقال: فسوف نعلم، إيماء إلى أن المخاطبين هم الأحق بعلم ذلك. وهذا يفيد أدباً شريفاً بأن الواثق بأنه على الحق لا يزعزع ثقته مقابلة السفهاء أعماله النافعة بالسخرية، وأن عليه وعلى أتباعه أن يسخروا من الساخرين... وحلول العذاب: حصوله؛ شبه الحصول بحلول القادم إلى المكان وهو إطلاق شائع حتى ساوى الحقيقة...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} من دون أن تشعروا، أو تفكروا، أو تواجهوا ذلك بجدّية ومسؤوليّة، فإن من يرقص في مأتمه، أو يعبث بما يمثل قضيّة المصير عنده أدعى للسخرية مما تسخرون منه، لأن مقدار العبث فيه أشدّ من العبث الذي تتصورونه في صنع السفينة، التي ستكتشفون أن صناعتها أمر جدي كل الجدّية لا مجال فيه لأيّ عبث، أو جهل، أو ما يشبه ذلك.
المواجهة بالفكر ليست دائماً ناجحة وهذا هو الأسلوب الذي نستوحيه، في مقام الدعوة إلى الله، عندما يعترضنا الكافرون بأسلوب السخرية، لتمييع الجوّ المحيط بالدعوة، وتعريضه للضحك والعبث بهدف إسقاط الدعوة، لا سيما إذا وقف الداعية للدفاع عن الفكر بأسلوب جدي، واستخدم في ذلك أدلّة علميّة، فإن الجوّ الضاحك العابث يحوّل ذلك إلى مادّة جديدة للسخرية ليحطّموا وقار العلم الذي يمثله الفكر بأدوات الجهل، مما يجعل من الموقف الجادّ موقفاً خاسراً على أكثر من صعيد. ولذلك فإن الموقف الحكيم هو مواجهة هؤلاء بأساليبهم، سخريةً بسخرية، واستهزاءً باستهزاءٍ، لإحداث صدمة قوية عند المستهزئين تُسقط موقفهم، وتهزم أساليبهم، فيتراجعون أو ينهزمون، في حين يقف الداعية موقف المنتصر المتماسك، الذي لم يسمح للعبث أن يحطم موقع الجدّ من فكره، ولم يدع للضعف أن يقترب من شخصيته، لينعكس ذلك على موقع الرسالة الثابتة في ساحة الحق...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
إِشارة إلى أنّه بالرغم من أنّ مضايقاتكم لنا مؤلمة، ولكننا نتحمل هذه الشدائد ونفتخر بذلك أوّلا، كما أنّ ذلك مهما يكن فهو منقض وزائل، أمّا عذابكم المخزي فهو باق ودائم ثانياً، وهذان الأمران معاً لا يقبلان القياس...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.