تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

{ 50 - 53 } { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }

أي : ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة ، حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ ، وحين يمسهم الجوع المفرط والظمأ الموجع ، يستغيثون بهم ، فيقولون : { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ } من الطعام ، فأجابهم أهل الجنة بقولهم : { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا } أي : ماء الجنة وطعامها { عَلَى الْكَافِرِينَ } وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات اللّه ، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه ، ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

ثم تسوق لنا السورة الكريمة بعد ذلك مشهداً ختاميا من مشاهد يوم القيامة تدور محاوراته بين أصحاب الجنة وأصحاب النار فتقول : { ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا فاليوم نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هذا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } .

إفاضة الماء : صبه ، ومادة الفيض فيها معنى الكثرة .

والمعنى : أن أهل النار - بعد أن أحاط بهم العذاب المهين - أخذوا يستجدون أهل الجنة بذلة وانكسار فيقولون لهم : أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله من طعام ، لكى نستعين بهما على ما نحن فيه من سموم وحميم .

وهنا يرد عليهم أهل الجنة بما يقطع آمالهم بسبب أعمالهم فيقولون لهم : إن الله منع كلا منهما على الكافرين .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

يخبر تعالى عن ذلة أهل النار وسؤالهم أهل الجنة من شرابهم وطعامهم ، وأنهم لا يجابون إلى ذلك .

قال السُّدِّي : { وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ }

يعني : الطعام وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يستطعمونهم ويستسقونهم .

وقال الثوري ، عن عثمان الثقفي ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال : ينادي الرجل أباه أو أخاه فيقول : قد احترقت ، أفض{[11797]} علي من الماء . فيقال لهم : أجيبوهم . فيقولون : { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ }

وروي من وجه آخر عن سعيد ، عن ابن عباس ، مثله [ سواء ]{[11798]}

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : { إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ } يعني : طعام الجنة وشرابها .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نصر بن علي ، أخبرنا موسى بن المغيرة ، حدثنا أبو موسى الصفَّار في دار عمرو بن مسلم قال : سألت ابن عباس - أو : سئل - : أي الصدقة أفضل ؟ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة الماء ، ألم تسمع إلى أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنة قالوا : { أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ }{[11799]}

وقال أيضا : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال : لما مرض أبو طالب قالوا له : لو أرسلتَ إلى ابن أخيك هذا ، فيرسل إليك بعنقود من الجنة{[11800]} لعله أن يشفيك به . فجاءه الرسول وأبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو بكر : إن الله حرمهما على الكافرين{[11801]}


[11797]:في د: "فأفض".
[11798]:زيادة من أ.
[11799]:ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (3380) والذهبي في ميزان الاعتدال (4/224) من طريق موسى بن المغيرة به.وقال الذهبي: "موسى بن المغيرة مجهول، وشيخه أبو موسى الصفار لا يعرف".
[11800]:في د، ك، م، أ: "جنته".
[11801]:ورواه ابن أبي شيبة كما في الدر المنثور للسيوطي (3/469).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُۚ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (50)

وقوله تعالى : { ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة } الآية ، لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم ، وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بإدراك يجعله الله لهم على بعد السفل من العلو ، وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر ، وروي أن ذلك النداء هو عند إطلاع أهل الجنة عليهم ، و { أن } في قوله : { أن أفيضوا } مفسرة بمعنى أي ، وفاض الماء إذا سال وانماع ، وأفاضه غيره ، وقوله : { أو مما رزقكم الله } إشارة إلى الطعام قاله السدي ، فيقول لهم أهل الجنة إن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين .

قال القاضي أبو محمد : والأشنع على الكافرين في هذه المقالة أن يكون بعضهم يرى بعضاً فإنه أخزى وأنكى للنفس ، وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر الله تعالى ، وذكر الزهراوي : أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أفضل الصدقة بالماء » ، يعني عند الحاجة إليه إذ هو ألذ مشروب وأنعشها للنفس ، واستسقى الشعبي عند مصعب فقال له أي الأشربة تحب ؟ فقال أهونها موجوداً وأعزها مفقوداً ، فقال له مصعب : يا غلام هات الماء .