{ 96 - 98 } { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ }
هذا من مكارم الأخلاق ، التي أمر الله رسوله بها فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } أي : إذا أساء إليك أعداؤك ، بالقول والفعل ، فلا تقابلهم بالإساءة ، مع أنه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته ، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم ، فإن ذلك فضل منك على المسيء ، ومن مصالح ذلك ، أنه تخف الإساءة عنك ، في الحال ، وفي المستقبل ، وأنه أدعى لجلب المسيء إلى الحق ، وأقرب إلى ندمه وأسفه ، ورجوعه بالتوبة عما فعل ، وليتصف العافي بصفة الإحسان ، ويقهر بذلك عدوه الشيطان ، وليستوجب الثواب من الرب ، قال تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } وقال تعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا } أي : ما يوفق لهذا الخلق الجميل { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }
وقوله : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } أي : بما يقولون من الأقوال المتضمنة للكفر والتكذيب بالحق ، قد أحاط علمنا بذلك ، وقد حلمنا عنهم ، وأمهلناهم ، وصبرنا عليهم ، والحق لنا ، وتكذيبهم لنا ، فأنت -يا محمد- ينبغي لك أن تصبر على ما يقولون ، وتقابلهم بالإحسان ، هذه وظيفة العبد في مقابلة المسيء من البشر ، وأما المسيء من الشياطين ، فإنه لا يفيد فيه الإحسان ، ولا يدعو حزبه إلا ليكونوا من أصحاب السعير .
ثم أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذاهم . وبمقابلة سيئاتهم بالخصال الحسنة ، فقال : { ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ السيئة نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } .
أى : قابل - أيها الرسول الكريم - سيئات هؤلاء المشركين الجاهلين ، بالأخلاق والسجايا التى هى أحسن من غيرها ، كأن تعرض عنهم ، وتصبر على سوء أخلاقهم ، فأنت صاحب الخلق العظيم ، ونحن أعلم منك بما يصفوننا به من صفات باطلة . وما يصفوك به من صفات ذميمة ، وسنجازيهم على ذلك بما يستحقون ، فى الوقت الذى نريده .
فالآية الكريمة توجيه حكيم من الله - تعالى - لنبيه - ، وتسلية له عما أصابه من أعدائه ، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين }
ثم قال مرشدًا له إلى التِّرْياق النافع في مخالطة الناس ، وهو الإحسان إلى من يسيء ، ليستجلب خاطره ، فتعود عداوته صداقة وبغضه محبة ، فقال : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } ، وهذا كما قال في الآية الأخرى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 ، 35 ] : أي ما يلهم هذه الوصية أو الخصلة{[20656]} أو الصفة { إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي : على أذى الناس ، فعاملوهم بالجميل مع إسدائهم إليهم القبيح ، { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي : في الدنيا والآخرة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.