تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (42)

وقوله : { وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى } أي : إليه تنتهي الأمور ، وإليه تصير الأشياء والخلائق بالبعث والنشور ، وإلى الله المنتهى في كل حال ، فإليه ينتهي العلم والحكم ، والرحمة وسائر الكمالات .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (42)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جانبا من مظاهر قدرته ورحمته ، فقال - تعالى - : { وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى } . أى : وأن إلى ربك وحده - لا إلى غيره - انتهاء الخلق ومرجعهم ومصيرهم فيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى .

فقوله : { المنتهى } : مصدر بمعنى الانتهاء ، والمراد بذلك مرجعهم إليه - تعالى - وحده ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (42)

( وأن إلى ربك المنتهى ) . .

فلا طريق إلا الطريق الذي ينتهي إليه . ولا ملجأ من دونه . ولا مأوى إلا داره : في نعيم أو جحيم . . ولهذه الحقيقة قيمتها وأثرها في تكييف مشاعر الإنسان وتصوره فحين يحس أن المنتهى إلى الله منتهى كل شيء وكل أمر . وكل أحد . فإنه يستشعر من أول الطريق نهايته التي لا مفر منها ولا محيص عنها . ويصوغ نفسه وعمله وفق هذه الحقيقة ؛ أو يحاول في هذا ما يستطيع . ويظل قلبه ونظره معلقين بتلك النهاية منذ أول الطريق !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (42)

و : { المنتهى } يحتمل أن يريد به الحشر ، والمصير بعد الموت فهو منتهى بالإضافة إلى الدنيا وإن كان بعده منتهى آخر وهو الجنة أو النار ، ويحتمل أن يريد ب { المنتهى } : الجنة أو النار ، فهو منتهى على الإطلاق ، لكن في الكلام حذف مضاف إلى عذاب ربك أو رحمته .

وقال أبي بن كعب قال النبي عليه السلام في قوله تعالى : { وأن إلى ربك المنتهى }{[10726]} ( لا فكرة في الرب ){[10727]} . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا ذكر الرب فانتهوا » . وقال أبو هريرة : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى أصحابه فقال : «فيم أنتم » قالوا : نتفكر في الخالق ، فقال : «تفكروا في الخلق ، لا تتفكروا في الخالق ، فإنه لا تحيط به الفكرة » ***الحديث{[10728]} .


[10726]:أخرجه الدارقطني في الإفراد، والبغوي في تفسيره، عن أبي بن كعب، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة عن سفيان الثوري.
[10727]:ذكره القرطبي بلفظ:(إذا ذكر الله تعالى فانته)، وذكره الإمام السيوطي في (الجامع الصغير)، عن البزار، عن أبي سعيد المقبري مرسلا بلفظ(إذا ذكرتك بالله فانتهوا).
[10728]:أخرجه أبو الشيخ عن يونس بن ميسرة، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يذكرون عظمة الله تعالى، فقال: ما كنتم تذكرون؟ قالوا: كنا نتفكر في عظمة الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا في الله فلا تفكروا، ثلاثا، ألا فتفكروا في عِظم ما خلق،ثلاثا، وأخرج مثله أيضا أبو الشيخ عن ابي أمية مولى شبرمة واسمه الحكم، عن بعض أئمة الكوفة، مع زيادة في آخره، وأخرج أبو الشيخ أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله مع زيادة واختلاف في الألفاظ. ذكر ذلك الإمام السيوطي في "الدر المنثور".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلۡمُنتَهَىٰ} (42)

القول في موقعها كالقول في موقع جملة { وأن سعيه سوف يرى } [ النجم : 40 ] سواءً ، فيجوز أن تكون هذه الجملة معطوفة على جملة { وأن سعيه سوف يرى } فتكون تتمة لما في صحف موسى وإبراهيم ، ويكونَ الخطاب في قوله : { إلى ربك } التفاتاً من الغيبة إلى الخطاب والمخاطب غيرُ معينّ فكأنه قيل : وأن إلى ربه المنتهى ، وقد يكون نظيرها من كلام إبراهيم ما حكاه الله عنه بقوله : { وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين } [ الصافات : 99 ] .

ويجوز أنها ليست مما اشتملت عليه صحف موسى وإبراهيم ويكون عطفُها عطفَ مفرد على مفرد ، فيكون المصدر المنسبك من { أنّ } ومعمولها مدخولاً للباء ، أي لم ينبأ بأن إلى ربك المنتهى ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وعليه فلا نتطلب لها نظيراً من كلام إبراهيم عليه السلام .

ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى حكمه المحض الذي لا تلابسه أحكامٌ هي في الظاهر من تصرفات المخلوقات مما هو شأن أمور الدنيا ، فالكلام على حذف مضاف دل عليه السياق .

والتعبير عن الله بلفظ { ربك } تشريف للنبيء صلى الله عليه وسلم وتعريض بالتهديد لمكذبيه لأن شأن الرب الدفاع عن مربوبه .

وفي الآية معنى آخر وهو أن يكون المنتهى مجازاً عن انتهاء السير ، بمعنى الوقوف ، لأن الوقوف انتهاء سير السائر ، ويكون الوقوف تمثيلاً لحال المطيع لأمر الله تشبيهاً لأمر الله بالحَد الذي تحدد به الحَوائط على نحو قول أبي الشيص :

وقَف الهوى بي حيث أنتِ فليس لي *** متَأَخَّر عنه ولا مُتَقَدم

كما عبر عن هذا المعنى بالوقوف عند الحد في قوله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } [ البقرة : 229 ] . والمعنى : التحذير من المخالفة لما أَمَر الله ونَهى .

وفي الآية معنى ثالث وهو انتهاء دلالة الموجودات على وجودِ الله ووحدانيتِه لأن الناظر إلى الكائنات يعلم أن وجودها ممكن غير واجب فلا بد لها من موجود ، فإذا خَيَّلت الوسوسة للناظر أن يفرض للكائنات موجداً مما يبدو له من نحو الشمس أو القمر أو النار لما يرى فيها من عِظم الفاعلية ، لم يلبَث أن يظهر له أن ذلك المفروض لا يخلو عن تَغير يدل على حدوثه فلا بد له من مُحدث أوْجَدَهُ فإذا ذهب الخيال يسلسل مفروضات الإِلهية { كما في قصة إبراهيم { فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي } [ الأنعام : 76 ] ( الآيات ) لم يجد العقل بُداً من الانتهاء إلى وجوب وُجودِ صَانع لممكنات كلها ، وجودُه غيرُ ممكن بل واجب ، وأن يكون متصفاً بصفات الكمال وهو الإِله الحق ، فالله هو المنتهى الذي ينتهي إليه استدلال العقل ، ثم إذا لاح له دليل وجود الخالق وأفضى به إلى إثبات أنه واحد لأنه لو كان متعدّداً لكان كلٌّ من المتعدد غيرَ كامل الإِلهية إذ لا يتصرف أحد المتعدِد فيما قد تصرف فيه الآخر ، فكان كل واحد محتاجاً إلى الآخر ليرضى بإقراره على إيجاد ما أوجده ، وإلا لقدر على نقض ما فعله ، فيلزم أن يكون كل واحد من المتعدد محتاجاً إلى من يسمح له بالتصرف ، قال تعالى : { وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } [ المؤمنون : 91 ] وقال : { قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } [ الإسراء : 42 ] وقال : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } [ الأنبياء : 22 ] فانتهى العقل لا محالة إلى منتهى .