تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (62)

{ ذَلِكَ } صاحب الحكم والأحكام { بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ } أي : الثابت ، الذي لا يزال ولا يزول ، الأول الذي ليس قبله شيء ، الآخر الذي ليس بعده شيء ، كامل الأسماء والصفات ، صادق الوعد ، الذي وعده حق ولقاؤه حق ، ودينه حق ، وعبادته هي الحق ، النافعة الباقية على الدوام .

{ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد ، من الحيوانات والجمادات ، { هُوَ الْبَاطِلُ } الذي ، هو باطل في نفسه ، وعبادته باطلة ، لأنها متعلقة بمضمحل فان ، فتبطل تبعا لغايتها ومقصودها ، { وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } العلي في ذاته ، فهو عال على جميع المخلوقات وفي قدره ، فهو كامل الصفات ، وفي قهره لجميع المخلوقات ، الكبير في ذاته ، وفي أسمائه ، وفي صفاته ، الذي من عظمته وكبريائه ، أن الأرض قبضته يوم القيامة ، والسماوات مطويات بيمينه ، ومن كبريائه ، أن كرسيه وسع السماوات والأرض ، ومن عظمته وكبريائه ، أن نواصي العباد بيده ، فلا يتصرفون إلا بمشيئته ، ولا يتحركون ويسكنون إلا بإرادته .

وحقيقة الكبرياء التي لا يعلمها إلا هو ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، أنها كل صفة كمال وجلال وكبرياء وعظمة ، فهي ثابتة له ، وله من تلك الصفة أجلها وأكملها ، ومن كبريائه ، أن العبادات كلها ، الصادرة من أهل السماوات والأرض ، كلها المقصود منها ، تكبيره وتعظيمه ، وإجلاله وإكرامه ، ولهذا كان التكبير شعارا للعبادات الكبار ، كالصلاة وغيرها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (62)

وقوله - سبحانه - : { ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل . . } بيان لحقيته - عز وجل - للعبادة والطاعة والخضوع التام .

واسم الإشارة يعود إلى ما وصف به نفسه قبل ذلك من صفات القدرة الباهرة والعلم التام .

أى : ذلك الذى تراه - أيها العاقل - فى هذا الكون من مخلوقات ، ومن نصر للمظلوم ، ومن إدخال الليل فى النهار وإدخال النهار فى الليل ، سببه أن الله - تعالى - هو الإله الحق الذى يجب أن تعنو له الوجوه . وأن ما عداه من معبودات آلهة باطلة ما أنزل الله بها من سلطان .

{ وَأَنَّ الله } - تعالى - وحده { هُوَ العلي } أى : العالى على جميع الكائنات بقدرته ، وكل شىء دونه { الكبير } أى : العظيم الذى لا يدانيه فى عظمته أحد .

فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة ، قد وصفت الله - تعالى - بما هو أهل له من صفات الجلال والكمال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (62)

58

ذلك مرتبط بأن الله هو الحق . فالحق هو المسيطر على نظام هذا الكون . وكل ما دون الله باطل يختل ويتخلف ولا يطرد أو يستقيم .

( ذلك بأن الله هو الحق ، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير ) . .

وذلك تعليل كاف وضمان كاف لانتصار الحق والعدل ، وهزيمة الباطل والبغي . وهو كذلك ضمان لاطراد سنن الكون وثباتها ، وعدم تخلخلها أو تخلفها . ومن هذه السنن انتصار الحق وهزيمة البغي .

والله أعلى من الطغاة ، وأكبر من الجبارين : ( وأن الله هو العلي الكبير ) . . فلن يدع البغي يستعلي والظلم يستطيل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (62)

{ ذلك } الوصف بكمال القدرة والعلم . { بأن الله هو الحق } الثابت في نفسه الواجب لذاته وحده ، فإن وجوب وجوده ووحدته يقتضيان أن يكون مبدأ لكل ما يوجد سواه عالما بذاته وبما عداه ، أو الثابت الإلهية ولا يصلح لها إلا من كان قادرا عالما . { وأن ما يدعون من دونه } إلها ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر بالتاء على مخاطبة المشركين ، وقرأ بالبناء للمفعول فتكون الواو لما فإنه في معنى الآلهة . { هو الباطل } المعدوم في حد ذاته ، أو باطل الألوهية . { وأن الله هو العلي } على الأشياء { الكبير } على أن يكون له شريك لا شيء أعلى منه شأنها وأكبر منه سلطانا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (62)

اسم الإشارة هنا تكرير لاسم الإشارة الذي سبقه ولذلك لم يعطف . ثم أخبر عنه بسبب آخر لنصر المؤمنين على المشركين بأن الله هو الرب الحق الذي إذا أراد فعَل وقدر فهو ينصر أولياءه وأن ما يدعوه المشركون من دون الله هو الباطل فلا يستطيعون نَصْرَهم ولا أنفسَهم يَنصُرون . وهذا على حمل الباء في قوله : { بأن الله هو الحق } على معنى السببية ، وهو محمل المفسرين . وسيأتي في سورة لُقمان في نظيرها : أن الأظهر حمل الباء على الملابسة ليلتئم عطف { وأن ما تدعون من دونه هو الباطل } .

والحق : المطابق للواقع ، أي الصدق ، مأخوذ من حَقّ الشيءُ إذا ثبَت : والمعنى : أنه الحق في الإلهيّة ، فالقصر في هذه الجملة المستفاد من ضمير الفصل قصر حقيقي .

وأما القصر في قوله { وأن ما تدعون من دونه هو الباطل } المستفاد من ضمير الفصل فهو قصر ادعائيّ لعدم الاعتداد بباطللِ غيرها حتى كأنه ليس من الباطل . وهذا مبالغة في تحقير أصنامهم لأنّ المقام مقام مناضلة وتوعد ، وإلا فكثير من أصنام وأوثان غير العرب باطل أيضاً .

وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر { تَدْعُون } بالتاء الفوقيّة على الالتفات إلى خطاب المشركين لأنّ الكلام السابق الذي جرت عليهم فيه ضمائر الغيبة مقصود منه إسماعهم والتعريض باقتراب الانتصار عليهم . وقرأ البقية بالتحتية على طريقة الكلام السابق .

وعلوّ الله : مستعار للجلال والكمال التام .

والكِبر : مستعار لتمام القدرة ، أي هو العلي الكبير دون الأصنام التي تعبدونها إذ ليس لها كمال ولا قدرة ببرهان المشاهدة .