فلما قدّم حب اللّه ، وآثره على هواه ، وعزم على ذبحه ، وزال ما في القلب من المزاحم ، بقي الذبح لا فائدة فيه ، فلهذا قال : { إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } أي : صار بدله ذبح من الغنم عظيم ، ذبحه إبراهيم ، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل ، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة ، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة .
{ وفديناه بذبح } بما يذبح بدله فيتم به الفعل . { عظيم } عظيم الجثة سمين ، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبيا ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين . قيل كان كبشا من الجنة . وقيل وعلا أهبط عليه من ثبير . وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة ، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه .
والضمير في { فديناه } عائد على الذبح ، و «الذبح » اسم لما يذبح ووصفه بالعظم لأنه متقبل يقيناً قاله مجاهد ، وقال عمر بن عبيد : «الذبح » الكبش و «العظيم » لجري السنة ، وكونه ديناً باقياً آخر الدهر ، وقال الحسن بن الفضل : عظم لأنه كان من عند الله ، وقال أبو بكر الوراق : لأنه لم يكن عن نسل بل عن التكوين ، وروي عن ابن عباس وعن سعيد بن جبير : أن كونه عظيماً هو أنه من كباش الجنة ، رعى فيها أربعين خريفاً ، وقال ابن عباس : هو الكبش الذي قرب ولد آدم{[9885]} ، وقال ابن عباس والحسن : كان وعلاً اُهبط عليه من ثبير{[9886]} ، وقال الجمهور : إنه كبش أبيض أقرن أعين وجده وراءه مربوطاً بسمرة .
قال القاضي أبو محمد : وروي أنه انفلت لإبراهيم فاتبعه ورماه بحصيات في مواضع الجمرات فبذلك مضت السنة ، وقال ابن عباس رجم الشيطان عند جمرة العقبة وغيرها وقد قدم هذا .
قال القاضي أبو محمد : وأهل السنة أن هذه القصة نسخ فيها العزم على الفعل ، والمعتزلة التي تقول إنه لا يصح نسخ إلا بعد وقوع الفعل افترقت في هذه الآية على فرقتين ، فقالت فرقة وقع الذبح والتأم بعد ذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كذب صراح ، وقالت فرقة منهم : بل كان إبراهيم لم ير في منامه إلا أمارة الشفرة فقط ، فظن أنه ذبح فجهز ، فنفذ لذلك فلما وقع الذي رآه وقع النسخ .
قال القاضي أبو محمد : والاختلاف أن إبراهيم عليه السلام أمر الشفرة على حلق ابنه فلم تقطع ، وروي أن صفيحة نحاس اعترضته فحز فيها والله أعلم كيف كان ، فقد كثر الناس في قصص هذه الآية بما صحته معدومة ، فاختصرته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.