تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

و " مناة " من " المنان " إلحادا في أسماء الله وتجريا على الشرك به ، وهذه أسماء متجردة عن المعاني ، فكل من له أدنى مسكة من عقل ، يعلم بطلان هذه الأوصاف فيها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

بعد كل ذلك أخذت السورة الكريمة ، فى تصوير ما عليه المشركون من باطل وجهل وفى تبكيتهم على عبادتهم لأصنام لا تسمع ولا تبصر ، ولا تملك الدفاع عن نفسها فضلا عن غيرها . . . فقال - تعالى - :

{ أَفَرَأَيْتُمُ اللات . . . } .

والهمزة فى قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ } للإنكار والتهكم ، والفاء لترتيب الرؤية على ما سبق ذكره من صفات جليلة لله - تعالى - تدل على وحدانيته ، وكمال قدرته ، ومن ثناء على النبى - صلى الله عليه وسلم - والرؤية هنا ، علمية ومفعلوها الثانى محذوف ، لدلالة قوله - سبحانه - { أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى } عليه .

و " اللات " اسم لصنم كان لثقيف بالطائف . قال الشاعر :

وفرت ثقيف إلى " لاتها " . . . بمنقلب الخائب الخاسر

وكان هذا الصنم على هيئة صخرة مربعة ، قد بنوا عليه بناء ونقشوا عليه نقوشا ، وكانت قريش وجمهور العرب ، يعظمونه ويعبدونه . . .

وكأنهم قد سموه بهذا الاسم ، على سبيل الاشتقاق من اسم الله - تعالى - فقالوا " اللات " قصداً للتأنيث .

و { والعزى } : فُعْلَى من العز . وهى اسم لصنم ، وقيل لشجرة حولها بناء وأستار ، وكانت بمكان يقال له نخلة ، بين مكة والطائف ، وكانت قريش تعظمها ، كما قال أبو سفيان يوم أحد " لنا العزى ولا عزى لكم " .

فقال - صلى الله عليه وسلم - قولوا له : " الله مولانا ولا مولى لكم " .

ولعلهم قد سموها بذلك . أخذا من لفظ العزيز ، أو من لفظ العز ، فهى تأنيث الأعز ، كالفضلى والأفضل .

وأما " مناة " فكانت صخرة ضخمة ، بمكان يقال له المشلل ، بين مكة والمدينة ، وكانت قبيلة خزاعة والأوس والخزرج فى جاهليتهم يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة .

قالوا : وسميت بهذا الاسم ، لأن دماء الذبائح كانت تمنى عندها ، أى : تراق وتسكب .

والمعنى : لقد ذكرنا لكم - أيها المشركون - ما يدل على وحدانيتنا ، وكمال قدرتنا ، وسمو منزلة نبينا - صلى الله عليه وسلم - . . . فأخبرونى بعد ذلك ما شأن هذه الأصنام التى لا تضر ولا تنفع ، كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . إنها أشياء فى غاية الحقارة والعجز ، فكيف سويتم بينها وبين الخالق - عز وجل - فى العبادة ، وكيف أبحتم لأنفسكم تعظيمها ، وزعمتم أنها بنات الله . . ؟ .

فالمقصود بالاستفهام التعجيب من أحوالهم ، والتجهيل لعقولهم .

ويصح أن تكون الرؤية فى قوله - سبحانه - { أَفَرَأَيْتُمُ } بصرية ، فلا تحتاج إلا لمفعول واحد . أى : انظروا بأعينكم إلى تلك الأصنام ، التى من أشهرها : اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، أترونها تملك الدفاع عن نفسها فضلا عن غيرها ؟ إنها لا تملك شيئا ، فكيف عظمتموها مع حقارتها وعجزها ؟

والاستفهام - أيضا - للتهكم بهم ، والتعجيب من تفكيرهم السقيم .

قال الآلوسى : والظاهر أن " الثالثة الأخرى : صفتان لمناة . وهما على ما قيل للتأكيد .

وقال بعض الأجلة : الثالثة للتأكيد . و { الأخرى } للذم بأنها متأخرة فى الرتبة ، وضيعة المقدار . . .

والكلام خطاب لعبدة هذه المذكورات ، وقد كانوا مع عبادتهم لها يقولون : إن الملائكة - عليهم السلام - وتلك المعبودات الباطلة ، بنات الله .

تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فقيل لهم تويبخا وتبكيتا : { أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى . . } الخ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

وكانت [ مناة ] بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة . وكانت خزاعة والاوس والخزرج في جاهليتهم يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة .

وكان بالجزيرة كثير من هذه المعبودات تعظمها القبائل المختلفة . ولكن هذه الثلاثة كانت أعظمها .

والمظنون أن هذه المعبودات كانت رموزا لملائكة يعتبرهن العرب إناثا ويقولون : إنهن بنات الله . ومن هنا جاءت عبادتها ، والذي يقع غالبا أن ينسى الأصل ، ثم تصبح هذه الرموز معبودات بذاتها عند جمهرة العباد . ولا تبقى إلا قلة متنورة هي التي تذكر أصل الأسطورة !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

يقول تعالى مُقَرِّعا للمشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد والأوثان ، واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن ، عليه [ الصلاة و ] {[27643]} السلام : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ } ؟ وكانت " اللات " {[27644]} صخرةً بيضاء منقوشة ، وعليها بيت بالطائف له أستار وسَدَنة ، وحوله فناء معظّم عند أهل الطائف ، وهم ثقيف ومن تابعها ، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش .

قال ابن جرير : وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله [ تعالى ] {[27645]} ، فقالوا : اللات ، يعنون مؤنثة منه ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا . وحكي عن ابن عباس ، ومجاهد ، والربيع بن أنس : أنهم قرؤوا " اللاتّ " بتشديد التاء ، وفسروه بأنه كان رجلا يَلُتُّ للحجيج في الجاهلية السويق ، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه .

وقال البخاري : حدثنا مسلم - هو ابن إبراهيم - حدثنا أبو الأشهب ، حدثنا أبو الجوزاء عن ابن عباس{[27646]} : { اللاتَ وَالْعُزَّى } قال : كان اللات رجلا يلت السَّويق ، سويق الحاج{[27647]} .

قال ابن جرير : وكذا العُزَّى من العزيز .

وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ، وهي بين مكة والطائف ، كانت قريش يعظمونها ، كما

قال أبو سفيان يوم أحد : لنا العزى ولا عزَّى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم " {[27648]} .

وروى البخاري من حديث الزهري ، عن حُمَيد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف فقال في حلفه : واللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله . ومن قال لصاحبه : تعال أقَامرْك ، فليتصدق " {[27649]} .

وهذا محمول على من سبق لسانه في{[27650]} ذلك ، كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية ، كما قال النسائي : أخبرنا أحمد بن بَكَّار وعبد الحميد بن محمد قالا حدثنا مَخْلَد ، حدثنا يونس ، عن أبيه ، حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه قال : حلفت باللات والعزى ، فقال لي أصحابي : بئس ما قلت ! قلت هجرا ! فأتيت رسول صلى الله عليه سلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : " قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . وانفث عن شمالك ثلاثا ، وتعوَّذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثم لا تعد " {[27651]} .

وأما " مناة " فكانت بالمُشَلَّل {[27652]} - عند قُدَيد ، بين مكة والمدينة - وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ، ويُهلّون منها للحج إلى الكعبة . وروى البخاري عن عائشة نحوه {[27653]} . وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز ، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها .

قال ابن إسحاق في السيرة : وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، بها {[27654]} سدنة وحجاب ، وتهدي لها كما يهدى {[27655]} للكعبة ، وتطوف بها كطَوْفَاتِها بها ، وتنحر عندها ، وهي تعرف فضل الكعبة عليها ؛ لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم ، عليه السلام ، ومسجده . فكانت لقريش وبني كنانة العُزَّى بنخلة ، وكانت سدنتها وحجابها {[27656]} بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم{[27657]} .

قلت : بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها ، وجعل يقول :

يا عُزَّ ، كُفْرَانَك لا سُبْحَانَك *** إني رأيت الله قَدْ أهَانَك

وقال النسائي : أخبرنا علي بن المنذر ، أخبرنا ابن فُضَيْل ، حدثنا الوليد بن جُمَيْع ، عن أبي الطُّفَيْلِ قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ، وكانت بها العزى ، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سَمُرات ، فقطع السَّمُرات ، وهدم البيت الذي كان عليها . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : " ارجع فإنك لم تصنع شيئًا " . فرجع خالد ، فلما أبصرته السَّدَنة - وهم حَجَبتها - أمعنوا في الحِيَل وهم يقولون : " يا عزى ، يا عزى " . فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن {[27658]} التراب على رأسها ، فغمسها بالسيف حتى قتلها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال : " تلك العزى " {[27659]} .

قال ابن إسحاق : وكانت اللات لثقيف بالطائف ، وكان سَدَنتها وحجابها بنى مُعَتّب{[27660]} .

قلت : وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب ، فهدماها وجعلا مكانها مسجد الطائف .

قال ابن إسحاق : وكانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المُشَلّل بقديد ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إليها ]{[27661]} أبا سفيان صخر بن حرب ، فهدمها . ويقال : علي بن أبي طالب .

قال : وكانت ذو الخَلَصة {[27662]} لدَوس وخَثعم وبَجِيلة ، ومن كان ببلادهم من العرب بِتَبَالة .

قلت : وكان يقال لها : الكعبة اليمانية ، وللكعبة التي بمكة الكعبة الشامية .

فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم جرير بن عبد الله البجلي فهدمه .

قال : وكانت فَلْس{[27663]} لطيئ ولمن يليها بجبلي طيئ من{[27664]} سَلمى وأجا .

قال ابن هشام : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه علي بن أبي طالب فهدمه ، واصطفى منه سيفين : الرّسُوب والمخْذَم ، فَنفَّله إياهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما سيفا علي{[27665]} .

قال ابن إسحاق : وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له : ريام . وذكر أنه كان به كلب أسود ، وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتلاه ، وهدما البيت .

قال ابن إسحاق : وكانت " رُضَاء " بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، ولها يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في الإسلام :

ولقد شَدَدْتُ عَلَى رُضَاء شَدّةً *** فَتَرَكْتُها قَفْرًا بِقَاع أسحَمَا

قال ابن هشام : إنه عاش ثلاثمائة وثلاثين{[27666]} سنة ، وهو القائل :

وَلَقَد سَئِمْتُ مِنَ الحيَاةِ وَطُولِهَا *** وَعُمّرْتُ منْ عَدَد السّنِينَ مِئِينَا

مائَةً حَدّتها بَعْدَها مائَتَان لي*** وازددت{[27667]} مِنْ عَدَد الشّهور سِنِينَا

هَلْ مَا بَقِي إلا كَمَا قَدْ فَاتَنَا *** يَومٌ يَمُرُّ وَلَيلةٌ تَحْدُونَا

قال ابن إسحاق : وكان ذو الكَعَبَات لبكر وتغلب ابني وائل ، وإياد بِسَنْداد وله يقول أعشى بن قيس بن ثعلبة :

بَيْنَ الخَوَرْنَق والسَّدير وَبَارقٍ *** والبيت ذو الكَعَبَات من سَنْدَاد{[27668]}

ولهذا قال [ تعالى ] {[27669]} : { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى } ؟ .


[27643]:- (3) زيادة من م.
[27644]:- (4) في م: "العزى".
[27645]:- (5) زيادة من م.
[27646]:- (6) في م: "عن ابن عباس عن".
[27647]:- (7) صحيح البخاري برقم (4859).
[27648]:- (1) تقدم تخريج الحديث عند تفسير سورة "محمد" الآية: 11.
[27649]:- (2) صحيح البخاري برقم (4860).
[27650]:- (3) في م: "إلى".
[27651]:- (4) سنن النسائي (7/8).
[27652]:- (5) في أ: "بالمنال".
[27653]:- (6) صحيح البخاري برقم (4861).
[27654]:- (7) في م: "لها".
[27655]:- (8) في م: "تهدي".
[27656]:- (9) في م: "وحجبتها".
[27657]:- (10) السيرة النبوية لابن هشام (1/83).
[27658]:- (1) في م: "تحثو".
[27659]:- (2) النسائي في السنن الكبرى رقم (11567).
[27660]:- (3) في م: "مغيت".
[27661]:- (4) زيادة من أ.
[27662]:- (5) في أ: "الحليفة".
[27663]:- (6) في م: "فيس".
[27664]:- (7) في م، أ: "بين".
[27665]:- (8) السيرة النبوية لابن هشام (1/87).
[27666]:- (9) في أ: "وستون".
[27667]:- (10) في م، أ: "وعمرت".
[27668]:- (1) انظر السيرة النبوية لابن هشام (1/87، 88).
[27669]:- (2) زيادة من م.

   
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَنَوٰةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰٓ} (20)

وأما { مناة } فعَلَم مرتجل ، وهو مؤنث فحقه أن يكتب بهاء تأنيث في آخره ويوقف عليه بالهاء ، ويكون ممنوعاً من الصرف ، وفيه لغة بالتاء الأصلية في آخره فيوقف عليه بالتاء ويكون مصروفاً لأن تاء لات مثل باء باب ، وأصله : مَنَواة بالتحريك وقد يمد فيقال : منآة وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث . وقياس الوقف عليه أن يوقف عليه بالهاء ، وبعضهم يقف عليه بالتاء تبعاً لخط المصحف ، وكان صخرة وقد عبده جمهور العرب وكان موضعه في المشلل حذوَ قديد بين مكة والمدينة ، وكان الأوس والخزرج يطوفون حَوله في الحج عوضاً عن الصفا والمروة فلما حج المسلمون وسعَوا بين الصفا والمروة تحرج الأنصار من السعي لأنهم كانوا يسعون بين الصفا والمروة فنزل فيهم قوله تعالى : { إن الصفا والمروة من شعائر اللَّه فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما كما تقدم عن حديث عائشة في الموطأ } في سورة البقرة { 158 } .

وقرأ الجمهور { ومناة } بتاء بعد الألف . وقرأه ابن كثير بهمزة بعد الألف على إحدى اللغتين . والجمهور يقفون عليه بالتاء تبعاً لرسم المصحف فتكون التاء حرفاً من الكلمة غير علامة تأنيث فهي مثل تاء { اللات } ويجعلون رسمها في المصحف على غير قياس .

ووصفها بالثالثة لأنها ثالثة في الذّكر وهو صفة كاشفة ، ووصفها بالأخرى أيضاً صفة كاشفة لأن كونها ثالثة في الذكر غير المذكورتين قبلها معلوم للسامع ، فالحاصل من الصفتين تأكيدٌ ذكرها لأن اللات والعزى عند قريش وعند جمهور العرب أشهر من مناة لبعد مكان مناة عن بلادهم ولأن ترتيب مواقع بيوت هذه الأصنام كذلك ، فاللات في أعْلى تهامة بالطائف ، والعُزَّى في وسطها بنخلةَ بين مكة والطائف ، ومناة بالمُشلل بين مكة والمدينة فهي ثالثة البقاع .

وقال ابن عطية : كانت مناة أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عابداً ولذلك قال تعالى : { الثالثة الأخرى } فأكدها بهاتين الصفتين .

والأحسن أن قوله : { الثالثة الأخرى } جرى على أسلوب العرب إذا أخبروا عن متعدد وكان فيه من يظنّ أنه غير داخل في الخبر لعظمة أو تباعد عن التلبس بمثل ما تلبس به نظراؤه أن يختموا الخبر فيقولوا : « وفلانٌ هو الآخَر » ووجهه هنا أن عُبَّاد مناة كثيرون في قبائل العرب فنبه على أن كثرة عبدتها لا يزيدها قوة على بقية الأصنام في مقام إبطال إلهيتها وكل ذلك جار مجرى التهكم والتسفيه .